لقد كشقت أشغال الدورة العادية للمجلس الوطني لحزب الوردة، عن إزدواجية المواقف لدى الحزب في التعاطي مع القضايا والملفات الوطنية؛ إذا أن الحزب بات يتودد إلى “أخنوش” في ظل ضبابية المشهد السياسي، فبل انعقاد مؤتمر حزب “البام”.
فالجرار على بعد خطوات قليلة لتجديد أمينه العام وهياكله؛ ما من شأنه الانعكاس بشكل محتمل على التحالف الحكومي، الذي يضم حزب “الأصالة والمعاصرة”، مما سيشكل فراغا من شأنه البحث عن حزبين اَخرين لتغطيته، وهو أمر مستبعد إلى حدود الساعة.
فبعد استحقاقات 8 شتنبر مباشرة، ارتكن حزب الاتحاد الاشتراكي في خانة المعراضة، لكونه يعلم ضعف أرقامه أمام ما حققه “الأحرار” و”الأصالة والمعاصر” و”الاستقلال” من مقاعد، واكتمال النصاب القانوني للحكومة، دون اللجوء إلى حزب اَخر.
فكانت تلك الهزيمة سبابا في اختباء الحزب في المعارضة، وتبني خطاب شعبوي دون الخوض في تشخيص حقيقة مكامن ضعف الحكومة، واقتراح حلول برلمانية لتقويم أدائها؛ بينما أكتفى بلغة العوام والمقاهي في إطار الحملة الانتخابية الاستباقية لأوانها.
وبعد الاحتقان الذي عاشه قطاع التعليم؛ ظهرت الزعامة مجددا وهي تثقن رياضة ركوب الأموادج، وأعلنت تنسيقاً مع أحزاب اليسار بشأن الاحتقان، ودق ناقوس الخطر، وتوجيه عبارات شديدة اللهجة للحكومة حول الملفات “الاقتصادية” و”الاجتماعية”.
ومن جملة ما جاء في بلاغ من توقيع “لشكر” و”بنعبد الله”؛ “الأداء السلبي”، و”التغول الثلاثي”، و”هوس الأغلبية بالهيمنة”، و”الاستفراد بالقرار السياسي”، و”تكريس منطق الهيمنة والتحكم”، و”انعدام التجانس”، ثم “ارتباك” و”المصالح” و”الإرتجالية”…
لكن في ظل النقاش حول التعديل الحكومي المرتقب، والذي سيسفر عنه اجتماع الأغلبية في الأيام المقبلة؛ تغيير خطاب “الوردة” 360 درجة، وأدار “لشكر” ظهره لليسار ولـ”محمد نبيل بنعبد الله”، وتنبى خطابا على النقيض من ذلك.
وبشكل ينم عن الانتهازية، راجع المجلس الوطني في دورته العادية، خطابه بما يتماشا مع عقلية رجال الأعمال، وينسجم مع المشروع الحزبي لـ”التجمع الوطني للأحرار”؛ وينحرف بشكل جذري عن إيدولوجية الحزب اليسارية، والمشروع الذي أسس من أجله.
فالمشاكل التي يعيشها “البام” والتعديل الحكومي المرتقب، أسال لعاب قيادات اليسار من أجل التحالف مع “أخنوش” بحثا عن الاستوزار؛ وبعد أن وصفوا السياسات الاقتصادية والاجتماعية بالسلبية، أضحت اليوم داخل المجلس الوطني للحزب محل “إشادة”.
بل، إن أشغال الدورة تضمنت دعوات لأجل “الانفتاح الاقتصادي”، وهو مبدأ منافي لقيم الحزب واليسار؛ فضلا عن حديث قيادات “الوردة” حول المراجعة والإصلاح الداخلي للحزب، بما ينسجم مع التطورات والتحولات، وهي بمثابة إعلان حركة تصحيحية قربانا لـ”أخنوش”.
وبالتالي، فإن القضايا والملفات السياسية بالنسبة لبعض الأحزاب، أضحت مجرد رأسمال مربح وسلعة سياسة، من أجل المتاجرة السياسية في انتظارات وتطلعات المواطنين؛ في ظل أزمة النخب السياسية، وتدني منظومة القيم السياسية.
فمخرجات المجلس الوطني للاتحاد الاشتراكي، سجلت ضد مرمى الحزب هدفا سياسيا قاتلا؛ ودقت آخر مسمار في نعشه وشيعته إلى مثواه الأخير.
كما أظهرت أن التنسيق اليساري الذي خرج علينا في دجنبر الماضي، مجرد مناورة استعادادا للاستحقاقات القادمة، وابتزاز الأغلبية من خلال الملفات الاجتماعية والاحتقان الاجتماعي؛ بينما قيم ومواقف القيادات قابلة للتغيير أينما حلت المصلحة الشخصية.