استقبل رئيس موريتانيا محمد ولد الشيخ الغزواني، الأربعاء بالقصر الرئاسي في نواكشوط، رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، الذي يؤدي زيارة رسمية إلى موريتانيا على رأس وفد رفيع المستوى.
ولم تكن زيارة رئيس الحكومة الإسبانية، إلى نواكشوط ولقاؤه بالرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني مجرد حدث دبلوماسي عابر، بحسب الكثير من المراقبين، بل هي “تكريس لتحول عميق في الديناميكيات الجيوسياسية الإقليمية، وإعلان صريح عن الدور المحوري الذي باتت موريتانيا تلعبه كشريك استراتيجي لا غنى عنه لإسبانيا، ومن ورائها الاتحاد الأوروبي”.
وتجاوزت المباحثات التي جرت في القصر الرئاسي الطابع البروتوكولي، لتركز بشكل مباشر على الملفات الأكثر حساسية وإلحاحا: الأمن، والهجرة، والطاقة، باعتبار هذه الثلاثية تشكل حجر الزاوية في استقرار المنطقة وتحدد ملامح العلاقة المستقبلية بين ضفتي المتوسط، وتأتي الزيارة لتؤكد أن مدريد ترى في نواكشوط حليفًا موثوقا وفعالًا في التعامل مع هذه التحديات.
ويرى المراقبون أن هذا الاهتمام الأوروبي المتزايد لم يأتِ من فراغ، بل هو نتيجة مباشرة للنجاح الذي حققته موريتانيا في فرض نفسها كعامل استقرار في منطقة الساحل المضطربة.
ويبرز الدور الأمني الذي تلعبه نواكشوط، بالتنسيق الفعال مع المغرب، كأحد أهم ركائز هذا التموضع الجديد. فبعد سنوات من التحركات المشبوهة للمهربين وعناصر البوليساريو في حدودها الشمالية، نجحت موريتانيا في تأمين هذه المنطقة الحيوية، وهي جهود أتت لتكمل التدخل المغربي الحاسم في منطقة الكركرات عام 2020، مما أدى إلى تأمين محور استراتيجي للتجارة والاستقرار الإقليمي.
على الصعيد الدبلوماسي، أثبتت موريتانيا براعة في إدارة علاقاتها مع جيرانها، محافظة على سياسة “الحياد الإيجابي” المتوازن بين المغرب والجزائر.
هذا الموقف الذكي جنبها الانجرار إلى الصراعات الإقليمية وعزز من صورتها كوسيط نزيه وشريك يمكن للجميع التعامل معه، وهو ما تبحث عنه القوى الأوروبية في ظل الاستقطابات الحادة بالمنطقة.
ولم يغب البعد الاقتصادي عن الزيارة، حيث عكس اجتماع مجلس الأعمال الموريتاني-الإسباني رغبة مشتركة في ترجمة التقارب السياسي إلى تعاون اقتصادي ملموس. ففي ظل ما توفره موريتانيا من إمكانات هائلة في مجالات الطاقة النظيفة والمعادن والموارد البحرية، تسعى إسبانيا إلى أن تكون شريكا رئيسيًا في هذه القطاعات الواعدة.
ويرى مراقبون أن زيارة سانشيز اعتراف أوروبي بأن أمن الطاقة، وإدارة الهجرة، ومكافحة الإرهاب، كلها ملفات تمر حتمًا عبر شراكة قوية ومستدامة مع نواكشوط والرباط.