خبيران يفككان خلفيات وتداعيات أحداث مورسيا وعلاقتها بالجزائر

في سياق التوتر المتصاعد ضد المهاجرين المغاربة بإسبانيا، فجّرت بلدة “توري باتشيكو” الواقعة بمقاطعة مورسيا جدلًا واسعًا عقب حادثة اعتداء عنيفة تعرض لها مسن إسباني، ونُسبت المسؤولية فيها إلى شبان من أصول مغاربية.

ولم تبق الواقعة في حدودها الجنائية، بل تحولت سريعًا إلى حملة كراهية منظمة غذّتها مجموعة يمينية متطرفة تُدعى “Deport Them Now”، التي دعت علنًا إلى تشكيل ميليشيات محلية لـ”مطاردة المغاربة”، زاعمة أن الدستور الإسباني يتيح للمواطنين “الدفاع عن الوطن”.

وقد تفاعلت الحكومة الإسبانية مع خطورة الوضع، وأعلنت توقيف عشرة أشخاص على خلفية أحداث عنف استمرت لثلاث ليالٍ متتالية، في وقت شرعت فيه النيابة العامة في فتح تحقيق رسمي في جرائم كراهية، على خلفية منشورات تم تداولها على منصة تيليغرام، تنضح بالعنصرية والتحريض.

نور الدين: النظام الجزائري له جزء مسؤولية

وفي هذا السياق، ربط الخبير في العلاقات الدولية، الدكتور أحمد نور الدين في تصريح لجريدة “بلبريس”، بين هذه الحملة وبين سياسة ممنهجة تقودها الجزائر منذ سنوات، بهدف ضرب صورة المغرب ومصالحه الحيوية في الخارج.

أحمد نور الدين – خبير في العلاقات الدولية

ولم يتردد نور الدين  في تحميل النظام العسكري الجزائري مسؤولية “تفجير موجات العداء ضد الجالية المغربية”، معتبرًا أن ما يحدث ليس رد فعل تلقائيًا على حادث معزول، بل امتداد لصراع دبلوماسي تقوده الجزائر، والتي “لم تستسغ تقارب مدريد مع الرباط، ولا صعود صورة المغاربة في الوعي الإسباني، خاصة بعد فيضانات نونبر 2024 التي أظهرت تلاحمًا نادرًا بين المغاربة والإسبان”.

كما أوضح نور الدين أن الجزائر “تنزعج بشدة من إشادة الإسبان الواسعة بالمغاربة”، مبرزًا أن الإعلام الأوروبي، حين سلط الضوء على بطولات الجالية المغربية في إنقاذ الأرواح خلال الفيضانات، كان يُعرّي الرواية الجزائرية التي طالما حاولت تسويق المغاربة كخطر ثقافي وديموغرافي في أوروبا.
وأكد أن النظام الجزائري، في ظل فشله الداخلي، يوجّه جزءًا من ثرواته لتمويل شبكة متغلغلة من الجمعيات في التراب الإسباني، تتخذ من “دعم القضية الصحراوية” واجهة إنسانية، بينما تحرّض فعليًا ضد المغرب وتعمل على خلق مناخ مشحون داخل المجالس البلدية، خاصة في الأندلس وغرناطة وفالنسيا وإشبيلية.

واعتبر الخبير في ملف الصحراء المغربية أن “ما يُدار خلف الستار أخطر مما يظهر”، مستشهدًا بحادثة سياسية موثقة جرت أثناء محاكمة الوزير الأول الجزائري الأسبق عبد المالك سلال، الذي سُئل عن تبديد 38 مليار دينار جزائري، فأجاب بأن تلك الأموال كانت مخصصة لضرب صناعة السيارات في بلد مجاور.

وشدد على أنه “لا مجال للغموض في هذا هذا المثال، لكون المغرب هو الهدف، لأنه الدولة الوحيدة في جوار الجزائر التي تتوفر على صناعة سيارات متقدمة وذات وزن اقتصادي، عكس تونس أو موريتانيا أو ليبيا.

وذهب المتحدث إلى أبعد من ذلك، قائلًا إن العداء الجزائري للمغرب ليس وليد نزاع الصحراء المغربية، بل هو خيار استراتيجي، تم التعبير عنه بصراحة منذ عهد هواري بومدين، الذي صرّح بوضوح أن قضية الصحراء “وُضعت كحجرة في حذاء المغرب”، ما يعني أن الهدف لم يكن أبدًا “تقرير المصير”، بل تعطيل تقدم دولة.

وفي نظر نور الدين، فإن ما يحدث اليوم في إسبانيا ليس سوى فصل جديد من هذه الحرب الباردة التي تُشن على المغرب بأسلحة غير تقليدية، من بينها المال والنفوذ والتشويش الإعلامي والعمل الجمعوي المغلف بالشعارات الإنسانية، حيث دعا السلطات المغربية إلى أن لا تكتفي برصد الظاهرة فقط، بل أن تطالب رسميًا من السلطات الإسبانية فتح تحقيق معمق في تمويل الجمعيات التي تنشط على أراضيها باسم “دعم الصحراويين”، وتتلقى تمويلًا مباشرًا أو غير مباشر من الدولة الجزائرية، كما طالب بتوسيع نطاق التحقيق ليشمل السياسيين المحليين المتواطئين، وربط ذلك بالسياق العام للعلاقات المغربية-الإسبانية، خصوصًا في أفق تنظيم مونديال 2030.

نشطاوي: أطراف تدفع في اتجاه التأزيم

من جانبه، قدّم أستاذ العلاقات الدولية محمد نشطاوي قراءة مختلفة لكنها متقاطعة مع ما طرحه نور الدين، معتبرًا في حديثه لـ”بلبريس” أن ما وقع في مورسيا مأساوي في جميع أبعاده، سواء من حيث الفعل العنيف في حق مسن، أو من حيث ردود الفعل الجماعية التي انزلقت إلى خطاب عنصري.

لكنه نبّه إلى ضرورة عدم إغفال السياق الاجتماعي المحيط بالشباب المغاربي، الذين – حسب تعبيره – “يعانون من التهميش والتمييز وغياب آفاق الشغل والاندماج”.

أستاذ العلاقات الدولية، محمد نشطاوي

وأكد نشطاوي أن حادثًا فرديًا، مهما كانت فظاعته، لا يمكن أن يولّد هذا الحجم من الغضب والتحريض، إلا إذا كانت هناك أطراف تدفع في اتجاه التأزيم، مذكرا بأن العلاقات المغربية الإسبانية شهدت خلال السنتين الأخيرتين طفرة نوعية، على مستويات الأمن والهجرة والاقتصاد والسياسة، وأن هناك جهات إقليمية – لم يسمّها – من مصلحتها كبح هذا التقارب وتفجير الخلافات من جديد، لعرقلة مشروع تنظيم مشترك لكأس العالم، وتخريب التفاهم الحاصل بين الرباط ومدريد.

ولم يلق نشطاوي اتهامات مباشرة، لكنه شدد على أهمية التوسّع في التحقيقات الجارية من طرف السلطات الإسبانية، لأنها وحدها الكفيلة بكشف ما إذا كانت هناك جهات أجنبية ساهمت في توجيه أو تأجيج هذا العنف، سواء عبر تمويل الحملات أو تحريك الجمعيات أو تغذية الغضب الشعبي بأساليب غير مباشرة،

واعتبر المتحدث أن “من واجب المغرب، كدولة متضررة من الخطاب التحريضي، أن يتحرك دبلوماسيًا وأمنيًا لمواكبة تطورات الملف، وعدم ترك الجالية المغربية عرضة للابتزاز أو التنميط”.

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية