كشفت مجلة “جون أفريك” الفرنسية في تقرير حديث عن الدور المحوري الذي يلعبه العامل الديني في تعزيز النفوذ المغربي بالقارة الأفريقية، حيث يمثل الإسلام المغربي بقيادة الملك محمد السادس، بصفته “أمير المؤمنين”، أحد أهم أدوات القوة الناعمة للمملكة. وجاء هذا التحليل ضمن ملف أوسع حول تصنيف الدول الأفريقية الأكثر أداءً، والذي احتل فيه المغرب المرتبة الثالثة.
وأبرز التقرير أن توظيف الدين كأداة نفوذ يتجاوز البعد الروحي ليشكل مورداً سياسياً ذا فعالية كبيرة، مستنداً إلى روابط تاريخية ممتدة بين المغرب ودول أفريقيا جنوب الصحراء. وأكد أكاديمي مغربي متخصص، وفقاً للمجلة، أن الملك محمد السادس عمل على توسيع نطاق هذه العلاقات لتصبح الإسلام المغربي بخصائصه المميزة وسيلة ناعمة لتعزيز النفوذ الإقليمي.
وأوضحت المجلة أن هذه الاستراتيجية تندرج ضمن رؤية شاملة تهدف إلى تحقيق الاستقرار الداخلي ومواجهة التطرف، مع تعزيز الإشعاع الدولي للمملكة. ويرتكز هذا النهج على مركزية دور الملك كـ”أمير المؤمنين” والترويج لإسلام وسطي قائم على المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية والتصوف السني، الذي يتمتع بحضور تاريخي في غرب أفريقيا، مما يشكل جسراً للتقارب بين شعوب المنطقة.
وبحسب التقرير، اعتمد المغرب آليات مؤسساتية متطورة لتنفيذ هذه الاستراتيجية، شملت إعادة هيكلة الحقل الديني وتحديث مؤسساته، مثل المجلس العلمي الأعلى والرابطة المحمدية للعلماء. كما أولى التقرير اهتماماً خاصاً لمعهد محمد السادس لتكوين الأئمة، الذي يستقطب طلاباً من دول أفريقية وأوروبية لتلقينهم قيم الاعتدال، مما يجعله واجهة للإسلام المغربي المعتدل.
وتطرقت المجلة إلى مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة كأحد أبرز تجليات هذه السياسة، حيث تجمع علماء من مختلف أنحاء القارة وتنظم حوارات حول الإسلام السياقي. وأشار الباحث أحمد عراقي، وفقاً للتقرير، إلى أن هذه الدبلوماسية الدينية تساهم في خلق بيئة مواتية للاستثمار وتعزيز الاستقرار. كما سلط الضوء على دور الطرق الصوفية، مثل التيجانية والقادرية البوتشيشية، في تعزيز النفوذ الروحي المغربي.
ولم يغفل التقرير الجوانب الرمزية لهذه الاستراتيجية، مثل توزيع المصحف المحمدي المغربي في مساجد غرب أفريقيا، الذي وصفه بأنه أداة لترسيخ النفوذ في مواجهة النسخ المصرية والسعودية. كما تناول الاستقبالات السنوية للملك لمئات العلماء الأفارقة خلال شهر رمضان، والتي تعزز صورته كرمز للإسلام المعتدل على المستوى الدولي.