فضيحة جامعة أكادير فرصة تاريخية لإعادة الأدوار الطلائعية للجامعة المغربية

علمنا تاريخ الأزمات الكبرى أن عظمة الشعوب والدول والمؤسسات الكبرى في العالم التي هزتها أزمات كبرى هي تلك التي تحول تلك الأزمات لفرص تاريخية لتصبح شعوبا ودولا ومؤسسات قوية.
لذلك، فقوة الشعوب والدول والمؤسسات هي تلك القادرة على تحويل أزماتها لفرص تاريخية للإنبعاث من جديد لتجاوز تداعيات تلك الأزمات مهما كانت خطورتها لتخرج منها أكثر قوة وأكثر تماسكا، وهذا ما يجب أن ينطبق على الأزمة التي عرفتها جامعة أكادير والمتمثلة في بيع الماسترات والدكتوراه، لأنه عوض البقاء في دائرة جلد الذات، والاستمرار في تشويه صور الجامعة المغربية وأساتذتها عبر تقديمها كفضاء للفساد الأخلاقي والمالي- رغم أنها حالة معزولة- فإن المنطق يفرض علينا جميعا جعل هذه الفضيحة الجامعية فرصة للإعادة النظر في معايير تعيين رؤساء الجامعات، وعمداء الكليات ونوابهم وتشديد آليات الرقابة على مستويات التدبير والحاكمة، وتقوية آليات التقييم وتطوير الترسانة القانونية المؤطرة للتعليم العالي والبحث العلمي، نجو تجسيد جيل جديد من الجامعات تقوم بأدوارها الطلائعية.
فضيحة كلية الحقوق بأكادير أثرت في كل المغاربة في مقدمتهم ميداوي وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار الذي كان جريئا عندما عبر أمام نواب الأمة عن أسفه وقلقه وإحراجه والاعتراف بأن ما عرفته جامعة أكادير من فساد هو من مسؤولية الجميع.
صحيح أن فضيحة جامعة أكادير أثرت بشكل كبير على صورة الجامعة المغربية والأستاذ الجامعي، لكنه صحيح -أيضا- أن هذه الفضيحة ستدفع كل غيور على الجامعة المغربية أن يساهم من موقعه لإعادة الهيبة للجامعة والوقار للأستاذ الجامعي.
وحسب اعتقادي هناك عدة مؤشرات ستكون حاسمة في هذا الأمر نذكر منها:
أولها: إرادة الدولة في محاربة الفساد في كل تجلياته خصوصا منه الأخلاقي والجامعي لكونهما أخطر أشكال الفساد، لذلك ينتظر الرأي العام من القضاء أن يكون صارما في نازلة الفساد الجامعي، لأنه سرطان مدمر للإنسان وللوطن، وأن يكشف عن كل الحقائق المتعلقة بفساد جامعة ابن زهر، وفضح كل المتورطين، وإنزال أشد العقوبات بهم ليكونوا عبرة.
ثانيا: عزم الوزير الوصي عز الدين ميداوي تحصين الجامعة المغربية من هذه الانزلاقات الاستثنائية، هو ما أظهره في أجوبته بمجلس النواب.
الأمر دفع الوزير عز الدين ميداوي، خلال مداخلته بمجلس النواب، تفجير قنبلة خطيرة ترتبط برئاسة الجامعة التي لا تخضع لا لرئيس الحكومة ولا لوزير التعليم العالي، بل تخضع لمزاج رئيس الجامعة دون رقيب أو حسيب. وهي وضعية غير طبيعية حان الوقت للقيام بقطيعة جذرية معها لكونها تعد من بين أسباب الفساد الجامعي.
وتفاعلا مع فضيحة الجامعة شدد الوزير ميداوي على ضرورة اتخاذ إجراءات مستعجلة والقيام بإصلاحات عملية لوقف هذا الفساد، مشيرًا إلى أن “الزجر وحده لا يمكن أن يُحقق النتائج المرجوة، خاصة في قطاع التعليم العالي، في ظل التطور التكنولوجي وتسارع التحولات”.
وفي نفس السياق أكد الوزير ميداوي أنه حان الوقت ب “إعادة صياغة مشروع جديد لمنظومة التعليم العالي”، من خلال مراجعة عميقة للقانون التنظيمي رقم 01.00 المتعلق بالتعليم العالي، وإطلاق المجلس الاستشاري أو مجلس الحكماء كمشروع جديد، لتجنب أي اجتهادات فردية، لضمان حوكمة رشيدة للمؤسسات الجامعية، لأن الجامعة المغربية – وفق الإطار القانوني الحالي – هي المؤسسة العمومية الوحيدة التي يرأسها رئيس الجامعة، دون خضوعها لرئاسة الحكومة أو لوزارة القطاع”. وأكد أن “هذا الوضع يجب أن يتوقف”.
في نفس التوجه، أشار ميداوي إلى أن المجلس الاستشاري سيشكل “هيئة مستقلة تُرأسها شخصية كبيرة، ستختص بوضع الاستراتيجيات ومراقبة الأداء، مع إلزام رئيس الجامعة بتقديم حصيلة عمله ومناقشة برنامجه مع هذه الهيئة”. كما أبرز أن مجالس الجامعات ستُحتفظ باختصاصاتها التدبيرية، مع إدراج “دفاتر تحملات للمسؤوليات الجامعية، لضمان عدم التهرب من المساءلة”. وختم الميداوي بالتأكيد على أن “هذه الإصلاحات تهدف إلى تكريس استقلالية الجامعات، مع ضمان الشفافية والمحاسبة، بعيدًا عن أي تدخل غير مؤسسي.
وتهدف هذه الإصلاحات تحقيق نقلة نوعية في الحوكمة الجامعية، حيث توازن بين منح الجامعات استقلالاً حقيقيًا وضمان خضوعها لمعايير الجودة والمساءلة. وإذا ما أُحسن تنفيذها، فإنها قد تشكل نموذجًا يُحتذى به في تجاوز الإشكاليات الهيكلية التي تعيق تطور التعليم العالي، وتُجنبه مخاطر التسييس أو التراخي الإداري. وبذلك، يمكن لهذه الخطوة أن تُعيد الثقة في المؤسسات الجامعية، وتُرسخ مكانتها كفضاءات للتميز الأكاديمي والابتكار.
ثالثها: إرادة كل مكونات قطاع التعليم العالي، مجتمع مدني وايمانهم القوي في هزم كل أشكال الفساد الجامعي والانتصار على هذا الفيروس الدخيل على الجامعات المغربية، على تداعياته.
ثلاث عوامل متداخلة ستحسم الانتصار على هذا الفساد: وزير صارم ذو رؤيا استباقية واستراتيجية، له تراكمات مهمة في قطاع التعليم العالي، ورؤساء جامعات وعمداء كليات وأساتذة وطلبة عازمون على هزم كل اشكال الفساد الجامعي وإرادة مؤسساتية على تطبيق القانون في حق من سولت لع نفسه المس بهيبة الجامعة وحرمتها.
أكيد أن تلاقي الإرادات، وتظافر الجهود بين الجميع لمواجهة الفساد الجامعي ومخاطره يقوي آمل الجميع في الخروج أقوى من هذه الأزمة التي هزت جامعة ابن زهر بأكادير نحو تحقيق ثورة جديدة ضد الفساد بكل أشكاله.
وقد صدق من قال الأزمات الكبرى تعيد انتاج دول وشعوب ومؤسسات عظمى.

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية