أثارت واقعة منع رئيس الحكومة السابق، الدكتور سعد الدين العثماني، من توقيع كتابه داخل كلية الآداب بتطوان، جدلا واسعا على منصات التواصل الاجتماعي، وسط تباين حاد في المواقف بين من يعتبر الحادث “ممارسة ديمقراطية” و”موقفا سياسيا طلابيا”، وبين من يراه “انتهاكا صارخا لحرية التعبير داخل الفضاء الجامعي”.
في هذا السياق، نشرت الكاتبة والباحثة ميمونة الحاج داهي تدوينة حادة اللهجة على صفحتها الرسمية، اعتبرت فيها ما جرى “تجليا صارخا للنفاق الإيديولوجي”، وساءلت من وصفتهم بـ”التقدميين الجدد” عن معنى الحرية إذا كانت مشروطة بمقاس سياسي محدد.
وكتبت الحاج داهي: “هل صرنا نمنع شخصا من الكلام لأنه ليس على مقاسنا الإيديولوجي؟ وهل يعقل أن يُمنع رئيس حكومة سابق من توقيع كتاب داخل كلية الآداب، لا داخل ثكنة عسكرية؟”
وأضافت أن ما وقع لا يتعلق بشخص العثماني أو انتمائه السياسي، بل بحق مبدئي في التعبير والتأليف، معتبرة أن الجامعة، كفضاء للجدل الحر والاختلاف الفكري، ينبغي أن تحتمل النقاش لا أن تخنقه، وأن ترد بالحجاج لا بالصراخ.
وهاجمت الكاتبة ما وصفته بـ”التحول الخطير لبعض الفصائل الطلابية إلى أوصياء على من يستحق أن يتكلم”، متسائلة: “أي تقدمية هذه التي تمنع حوارا وتطفئ الميكروفون؟” معتبرة أن “المنع، في جوهره، فعل سلطوي مهما كان فاعله ومهما كانت شعاراته”.
ولم تسلم الدولة ومؤسساتها من النقد، إذ تساءلت الحاج داهي عن دور الإدارة الجامعية وسلطات الدولة في حماية الفضاء الأكاديمي من “الحق المشروط”، الذي يجعل حرية التعبير مرهونة برضا الفصيل الأقوى داخل الحرم الجامعي.
لكن التدوينة لم تخلُ من نقد مزدوج، طال حتى المدافعين عن العثماني ممن “صمتوا حين مُنع غيره”، في إشارة إلى ازدواجية المعايير، واحتكار اليسار للحقيقة، حيث ختمت قائلة: “كلهم – في لحظة ما – ساهموا في بناء هذا الجو الخانق، الذي أصبح فيه المنع شطارة، والإقصاء بطولة، والعنف رأيا سياسيا”.
وتحولت التدوينة إلى ما يشبه بيانًا فكريًا مفتوحًا، يطرح أسئلة أعمق من مجرد واقعة منع توقيع كتاب، لتلامس أزمة الوعي الأكاديمي، وهشاشة الثقافة الديمقراطية، وتآكل قدرة الفضاء الجامعي على احتضان الاختلاف.
ما جرى في كلية تطوان، بحسب تعبير الكاتبة، ليس حادثًا عابرًا، بل مرآة مشروعة لسؤال أكبر: “إذا كان هذا حال من يقرأون، فكيف سيكون حال من لم يفتحوا يومًا كتابًا؟”