هل تُجهض محاولات تقييم “المغرب الأخضر” من الداخل؟

تشهد أروقة مجلس النواب حالة من التوتر المكتوم، بعدما كشفت مصادر من داخل اللجنة الموضوعاتية المكلفة بتقييم مخطط “المغرب الأخضر” عن عراقيل متعمدة تقف خلفها جهات محسوبة على الكاتب العام للمجلس، في محاولة واضحة للتأثير على مجريات عمل اللجنة البرلمانية.

وحسب أكثر من مصدر من داخل اللجنة، التي يترأسها النائب الاستقلالي عبد الرزاق أحلوش، فإن بعض الجهات داخل الإدارة البرلمانية تُظهر “نوايا غير سليمة” في تعاملها مع اللجنة، من خلال التأخير أو رفض توجيه الاستدعاءات إلى مسؤولين ومديرين مركزيين، وكذا إلى رؤساء جمعيات بيمهنية تعمل في إطار شراكات رسمية مع وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات.

هذه الجمعيات التي تلعب أدواراً رئيسية في تنفيذ مخطط “المغرب الأخضر”، وتحصل على دعم مالي كبير من المال العام، كان من المفترض أن تمثل أمام اللجنة للإدلاء بإفاداتها في إطار جلسات الاستماع، غير أن الإدارة البرلمانية ترفض توجيه الدعوة لها، تحت ذريعة أنها جمعيات “مدنية”، ولا تملك صفة إدارية رسمية، ما أثار استياء اللجنة وشكوكاً حول خلفيات هذا الرفض.

ورغم هذه العراقيل، شرعت اللجنة منذ أسابيع قليلة، قبيل اختتام الدورة الربيعية، في عقد أولى جلسات الاستماع، بدءاً بوكالة التنمية الفلاحية التي يديرها المهدي الريفي، ثم وزارة الفلاحة التي قدمت تقارير تفصيلية حول حصيلة المخطط الذي انطلق سنة 2008.

ووفق البرنامج المسطر، ستُخصص المرحلة الثانية من التقييم للاستماع إلى ممثلي الفلاحين، المهنيين، والمؤسسات العمومية المنخرطة في سلاسل الإنتاج، في أفق إعداد تقرير تركيبي شامل يكشف مكامن القوة ونقاط الضعف في تنفيذ هذا المشروع الاستراتيجي.

غير أن تعطيل دعوة الجمعيات البيمهنية، التي تُعتبر شريكاً أساسياً في تنزيل برامج الدعم والهيكلة، أثار أسئلة جوهرية حول الشفافية والمحاسبة، خصوصاً أن العديد من هذه الجمعيات تستفيد من تمويلات ضخمة دون خضوعها لتقييم دقيق أو مراقبة فعالة، بل وتُثار حولها شبهات فساد واستغلال غير مشروع للموارد.

ويتساءل برلمانيون عن “كيفية تقييم سياسة عمومية بهذا الحجم دون مساءلة الأطراف غير الحكومية المستفيدة؟ وهل يُعقل أن تستثنى جمعيات تدير الملايير من أموال دافعي الضرائب من جلسات استماع برلمانية، فقط لأنها لا تحمل صفة إدارية؟ خاصة أن بعض هذه الجمعيات كانت طرفاً مباشراً في عمليات مثل تدبير عيد الأضحى، والتي شهدت خلال السنوات الأخيرة اختلالات خطيرة في التوريد والأسعار.

ويُذكر أن القانون رقم 03.12 المنظم للهيئات البيمهنية، يعترف بها كمجموعات ذات طابع خاص، تُحدث بين مهنيين يعملون في السلسلة الإنتاجية نفسها، وتتوفر على صفة معنوية، وتهدف إلى تنظيم الأسواق، تطوير الإنتاج، والترويج للمنتجات محلياً ودولياً. وتشمل هذه الهيئات قطاعات مثل الحوامض، اللحوم الحمراء، الزيتون، الدواجن، الزعفران، الفواكه الحمراء، السكر، الأركان، البذور، والنباتات الزيتية، وغيرها.

وتحصل هذه الفيدراليات على دعم من الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية في إطار عقود برامج، تُلزمها بتحقيق أهداف محددة في التنمية الفلاحية، ما يضعها تحت طائلة المساءلة أمام اللجنة البرلمانية التي تشتغل بتكليف دستوري.

وفي الوقت الذي تستعد فيه اللجنة لإعداد خلاصات تقريرها النهائي، تتعالى الأصوات داخل البرلمان بضرورة رفع اليد عن اللجنة وتركها تشتغل بحرية، خاصة أن هذه المبادرة تُعد سابقة في تقييم أحد أكبر البرامج القطاعية في المغرب، والذي استنزف موارد مالية ضخمة، ولا يزال يُطرح بشأنه سؤال الأثر الفعلي على صغار الفلاحين والتنمية القروية المستدامة.

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *