مشروع قانون التعليم العالي يواجه انتقادات هيئة دستورية

وجه المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي انتقادات لاذعة لمشروع القانون المتعلق بالتعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، معتبراً أن النص لا يرقى إلى مستوى التطلعات ولا يعكس الرؤية الاستراتيجية المفترضة لإصلاح شامل للجامعة المغربية.

غياب رؤية واضحة ومعلنة

وأكد المجلس في أول رأي له خلال عهدة رحمة بورقية أن المشروع يعاني من غياب رؤية واضحة ومعلنة، وأن بنيته المشتتة تفتح المجال أمام تأويلات متضاربة تقوض انسجامه وتحد من فعاليته، خاصة في ظل التحديات الكبرى التي تواجهها الجامعة على صعيد التكوين والبحث العلمي وربط التعليم بسوق الشغل.

ورأى المجلس أن مشروع القانون بصيغته الحالية يفتقر إلى تصور استباقي يحدد وظيفة التعليم العالي ويؤصل لها قانونياً، داعياً إلى ضرورة تبني نموذج مبني على الجودة والابتكار، ومشدداً على أن النص المعروض لا يعكس التوجهات الكبرى للسياسة العمومية ولا يفي بمتطلبات المرحلة.

كما أبرز غياب تكامل بين المتغيرات الوطنية والدولية، خصوصاً ما يتعلق بمعايير التكوين وإنتاج المعرفة والتكنولوجيا.

إغفال الإشارة إلى مهام مركزية للتعليم العالي

التقرير سجل أن المشروع أغفل الإشارة إلى مهام مركزية للتعليم العالي، مثل تطوير المهارات الشخصية للطلبة، وتمكينهم من الكفايات الأساسية، فضلاً عن ضرورة انخراط الجامعة في نشر المعرفة العلمية والتقنية وتأطير الحياة الثقافية وتعزيز الإسهام المجتمعي. كما نبه إلى أن المشروع لم يُعالج بشكل كاف حاجة الاقتصاد والإدارة إلى كفاءات متخصصة، ولم يُبرز بوضوح الأدوار المنتظرة من التعليم العالي في الاستجابة لهذه المتطلبات.

وحذر المجلس من غياب بنية استراتيجية داخل مشروع القانون، مشيراً إلى أن هيكلته تعكس توجهاً محافظاً يقتصر على معالجة ظرفية بدل تقديم رؤية بعيدة المدى، كما أن أغلب مضامينه تكرار جزئي للقانون الحالي (01.00) مع تعديلات شكلية لا ترقى إلى تحوّل جذري. وأكد أن إدراج جزء خاص بالبحث العلمي يظل إجراءً شكلياً ما دام لم يُدمج ضمن رؤية مندمجة تعزز تكامل المنظومة ككل.

التشتت المؤسساتي

المجلس توقف أيضاً عند التشتت المؤسساتي الذي لا يزال يطبع منظومة التعليم العالي بعد البكالوريا، في ظل غياب التنسيق مع التكوين المهني، والتباعد بين القطاعين العام والخاص، وهو ما يضعف الانسجام الداخلي ويحول دون بناء نظام موحد وفعّال. ولفت إلى أن المشروع لم يتقدم بخطة استشرافية واضحة تضمن إعادة هيكلة التعليم العالي وتعزيز استقلالية الجامعات أو تحسين حكامة البحث العلمي.

كما انتقد غياب مخطط متعدد السنوات للإصلاح، رغم ما ينص عليه القانون الإطار، وعدم تحديد آجال لتنفيذ هذا المخطط، مما يُفرغ الإصلاح من آليات المتابعة والتقييم، ويجعله أقرب إلى إعلان نوايا من كونه مشروعاً مهيكلاً. وفي ما يتعلق بالمؤسسات الجامعية الأجنبية، طالب المجلس بمراجعة الإطار القانوني المؤطر لهذا المجال، وتمييز الحالات حسب طبيعة الشراكة والمرجعية القانونية، ضماناً لحماية سيادة الدولة وتوازن القطاع.

عدم الانضباط للمعايير التشريعية

ولم يخفِ المجلس تحفظه على الصياغة القانونية للمشروع، حيث أشار إلى عدم انضباطها للمعايير التشريعية، سواء من حيث التقسيم أو التبويب الداخلي، مسجلاً تداخلاً بين المواضيع، وضعف التناغم بين أجزاء النص، كما هو الحال في الجمع بين الموارد البشرية والدعم الاجتماعي والتنظيم البيداغوجي في جزء واحد. أما الديباجة، فوصفها المجلس بأنها فضفاضة وخالية من الآليات، حيث لم تجد المبادئ الكبرى التي تضمنتها ترجمة فعلية داخل مواد القانون، مما يجعلها غير قابلة للتنفيذ أو التقييم.

في ضوء هذه الملاحظات، اقترح المجلس تعويض الديباجة الحالية بتلك المعتمدة في القانون الإطار، لما تحمله من مرجعية دستورية وتوجهات استراتيجية للدولة في إصلاح المنظومة التعليمية. كما شدد على أن فعالية أي قانون مؤطر للتعليم العالي والبحث العلمي تظل رهينة بوضوح الرؤية، وتكامل الهيكلة، وحسن إدماج مختلف الفاعلين داخل منظومة موحدة وشاملة.

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية