في خطوة تنذر بمزيد من التصدع داخل صفوف حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، خرج القيادي الاتحادي عبد الجليل نجمي بتصريحات مثيرة على قناة ميدي 1، أماط فيها اللثام عن حالة الاحتقان العميق التي يشهدها التنظيم، مؤكدًا أن المشكل لم يعد متعلقًا بالأشخاص، بل بما اعتبره “غيابًا للقرار المستقل” وانحرافًا عن جوهر المشروع الاتحادي.
نجمي، الذي يعد من الوجوه البارزة داخل الحزب، لم يخفِ استياءه من ما وصفه بـ”تفكك البنية النضالية للاتحاد”، مشيرًا إلى أن الغالبية الساحقة من المناضلين الحقيقيين باتوا خارج أسوار التنظيم.
وذهب أبعد من ذلك حين قال إن الحزب اليوم يُدار من قبل عناصر لا تمتّ إليه بصلة تنظيمية، فيما تجري عملية “إعادة تصنيع” مشروع سياسي جديد تحت اسم الاتحاد، لكن بلا روحه ولا امتداداته الفكرية.
جثمان لم يُدفن بعد:
الوصف الصادم الذي استخدمه نجمي حين قال: “نحن أمام جثمان لم ندفنه بعد”، لم يكن مجرد مبالغة لفظية، بل اختزال لحالة الانهيار الرمزي والتنظيمي الذي يهدد ما تبقى من هذا الكيان السياسي الذي لطالما حمل راية اليسار المغربي.
فالحزب، الذي طبع الحياة السياسية لعقود، يبدو اليوم عاجزًا عن تجديد دمائه أو استعادة مكانته في مشهد يعج بالتغيرات.
نزيف تنظيمي وهجرات جماعية:
هذه الأزمة البنيوية تتقاطع مع معطيات أخرى تشير إلى حركية غير مسبوقة في صفوف الأطر والكوادر الاتحادية.
إذ أن مصادر متطابقة أفادت بأن نحو مائة عضو من الفاعلين الأساسيين داخل الحزب يوجدون في مفاوضات متقدمة مع حزب التقدم والاشتراكية، في ما يشبه “هجرة جماعية” بحثًا عن فضاء سياسي بديل.
هذه الخطوة، إن تأكدت، ستكون بمثابة زلزال تنظيمي يعمق أزمة التمثيلية التي تضرب جسد اليسار المغربي.
أزمة مشروع لا أزمة قيادة فقط:
ويرى العديد من المتابعين أن ما يجري داخل الاتحاد ليس مجرد خلاف حول تدبير المرحلة أو صراعات مواقع، بل إنه يعكس فشلًا أكبر: انكماش المشروع اليساري نفسه، وتآكل أدواته في التأطير والتأثير.
في زمن التسويق السياسي والمقاربات الشعبوية، يبدو أن المدرسة الاتحادية تجد صعوبة في إعادة تعريف ذاتها أو استقطاب أجيال جديدة من المناضلين.
مؤتمر أو نهاية تجربة؟
وسط هذا المشهد القاتم، تتعالى أصوات تطالب بمؤتمر “إنقاذي”، يُعيد ترتيب البيت الداخلي ويسترجع بوصلة الحزب الفكرية والتنظيمية. لكن هذه المبادرة تبقى رهينة بمدى استعداد القيادة الحالية، وعلى رأسها إدريس لشكر، للقبول بفتح نقاش جذري حول مستقبل الحزب. فإما التدارك قبل فوات الأوان، أو القبول بمصير التحول إلى مجرد اسم في أرشيف الذاكرة السياسية المغربية.
في النهاية، قد لا يكون سؤال “من يقود الحزب؟” هو الأهم اليوم، بل “إلى أين يتجه؟” في ظل زحف الانقسامات، وتفكك الهياكل، وذوبان المرجعيات… فهل نحن أمام لحظة إعادة التأسيس؟ أم نهاية فصل من فصول اليسار المغربي؟