في زمن يعاني فيه المشهد العام من جفاف ديمقراطي، وفي وقت تراجعت فيه الثقة بين المواطن ومؤسساته المنتخبة، لم ينتخب نادي الرجاء الرياضي رئيسا جديدا فحسب، بل قدم للمغرب درسا مجانيا ومكثفا في الممارسة الديمقراطية الحقيقية.
درس عجزت عن تقديمه أعتى الأحزاب والنقابات التي يفترض فيها أن تكون منارة للحوكمة.
ما عشناه في الجمع العام ليلة الاثنين 7 يوليو 2025، لم يكن مجرد عملية انتخابية عابرة، بل كان مشهدا حضاريا متكاملا، أثبت أن الديمقراطية ممكنة وناجحة حين تجد وعيا ورقابة شعبية حقيقية تفرض احترامها.
فبينما تغلق تنظيمات كبرى أبوابها في وجه الصحافة وتدير مؤتمراتها في سرية مطلقة، فتح الرجاء أبوابه على مصراعيها في جمع عام “رقمي” تابع أطواره عشرات الآلاف مباشرة و5 ملايين في المجمل.
ثلاثة مرشحين، قدم كل منهم برنامجه وتصور فريق عمله، وخاضوا ندوات صحفية مفتوحة.
كانت الشفافية هي سيدة الموقف، والاحترام المتبادل هو القانون السائد. والأكثر إبهارا هو أن المرشحين الخاسرين لم ينسحبا غاضبين، بل بقيا حتى النهاية، وشاركا في الدور الثاني، مصافحين الفائز في مشهد يجسد روح المسؤولية. لم نر طعنا أو تشكيكا، بل تنافسا شريفا انتهى بالقبول الكامل لسيادة الصندوق.
إن الدرس الرجاوي يكمن في تلك المعادلة البسيطة والمعقدة في آن واحد: “الوعي يولد الشفافية، والشفافية تضمن النزاهة”.
حين يعلم المرشح أنه تحت مجهر جمهور واع ومنخرطين يدركون قيمة صوتهم، لا يملك خيارا سوى احترام القواعد.
هذا الجمهور ليس مجرد كتلة صامتة، بل فاعل حقيقي يمتلك أدوات الضغط والمحاسبة الرقمية، وهو ما تخشاه أغلب النخب السياسية التي تفضل التعامل مع قواعد انتخابية موسمية. لقد أثبت المنخرطون أنهم ليسوا مجرد أرقام، بل هم أصحاب القرار الفعلي.
لقد انتصرت المؤسسة في الرجاء، ونجح النادي في اختبار صعب، معيدا الأمل في أن الديمقراطية الداخلية ليست شعارا فارغا.
واليوم، بينما يستهل جواد الزيات ولايته الجديدة، يبقى التحدي الأكبر هو ألا يظل هذا الدرس حدثا معزولا.
فالمطلوب الآن هو تعميم “النموذج الرجاوي” ليصبح قاعدة وليس استثناء. إنه درس في الشفافية المالية، في تداول السلطة بسلاسة، وفي احترام إرادة القاعدة الانتخابية.
لقد أطلق الرجاء إشارة واضحة: حين يريد الشعب، فإنه يصنع ديمقراطيته الخاصة، حتى ولو كان ذلك داخل أسوار ناد رياضي.