في الآونة الأخيرة، باتت شبكات التواصل الاجتماعي تعج بصور لمؤثرين مغاربة يقضون عطلتهم الصيفية في وجهات أوروبية مثل إسبانيا وفرنسا والبرتغال، بل وحتى دول أبعد. والغريب في الأمر أن الكثير منهم يصرحون بأن قضاء العطلة خارج المغرب “أرخص وأريح” من السياحة الداخلية، وهو ما يثير تساؤلات عميقة حول واقع السياحة الوطنية ومدى قدرتها على الاستجابة لاحتياجات المواطنين، لا سيما من الطبقة المتوسطة.
ورغم ما يتمتع به المغرب من مؤهلات سياحية استثنائية، من شواطئ خلابة تمتد على واجهتين بحريتين، إلى جبال ومدن تاريخية عريقة، فإن عددا متزايدا من المواطنين يشعرون بأنهم مستبعدون فعليا من الاستفادة من هذا الإرث الطبيعي، بسبب الارتفاع المتواصل لتكاليف السياحة الداخلية. الإقامة، على سبيل المثال، أصبحت تشكل عائقا كبيرا، فكراء شقة بسيطة في مدينة ساحلية خلال الصيف قد يكلف أحيانًا أكثر مما يدفعه السائح المغربي نفسه في عطلة قصيرة بمدن أوروبية، خصوصا إذا استفاد من عروض الطيران منخفض التكلفة أو من منصات تأجير السكن.
ولا يقف الأمر عند الإقامة، فتكاليف التنقل أيضا أصبحت عبئا إضافيا، خاصة مع الارتفاع المسجل في أسعار الوقود، وهو ما يثقل كاهل الأسر التي تعتمد على سياراتها الخاصة. وحتى وسائل النقل العمومي، كالحافلات والقطارات، لا تزال في نظر العديد من المواطنين غير متاحة بأسعار تراعي القدرة الشرائية العامة، رغم بعض المبادرات والعروض الترويجية الموسمية التي تبقى محدودة في الزمان والمكان.
وسط هذه الظروف، يشعر كثير من المواطنين بأن السياسات السياحية في المغرب تركز أكثر على جذب السائح الأجنبي، بينما لا يتم منح السائح المحلي نفس العناية أو الامتيازات. ويشتكي البعض من غياب عروض موجهة خصيصا للمغاربة، أو غياب رؤية متكاملة تجعل من السياحة الداخلية أولوية استراتيجية، وليس مجرد خيار احتياطي خلال الأزمات.
هذه المفارقة تطرح تحديات حقيقية أمام الفاعلين في القطاع السياحي، وتجعل من الضروري إعادة النظر في النموذج الحالي، بما يضمن تنوع العروض وتوزيعها جغرافيا بشكل عادل، وتحقيق التوازن بين الجودة والسعر، من أجل إتاحة الحق في الترفيه والاستجمام لجميع فئات المجتمع، وليس فقط لمن يستطيع دفع الفاتورة الباهظة.
السياحة في المغرب ليست فقط موردا اقتصاديا أو وسيلة لجلب العملة الصعبة، بل هي أيضا حق ثقافي واجتماعي. وإذا كان السائح المغربي يفضل الطيران إلى مدريد أو مارسيليا بدلا من التنقل إلى الحسيمة أو الصويرة، فربما حان الوقت لطرح السؤال الجوهري: هل أصبحت العطلة في الوطن رفاهية لا يقدر عليها إلا القليلون؟