67٪ من الشباب يقرون بحاجتهم لتكوين ومواكبة لتفعيل أفكارهم

في وقت يواصل فيه الشباب المغربي ابتكار طرق جديدة للمساهمة في الشأن العام، تكشف معطيات تقرير وطني حديث عن مفارقة صارخة بين هذا الحراك المدني المتجدد وبين مؤسسات رسمية لا تزال، في نظر هؤلاء الشباب، بعيدة وغير متجاوبة.

فالتقرير الذي أنجزته جمعية “المواطنون” تحت عنوان “كيف يرى الشباب الالتزام المواطن؟”، أزاح الستار عن مؤشرات مقلقة بخصوص علاقة الجيل الجديد بالمؤسسات السياسية والإدارية، حيث عبّر أكثر من 70% من المستجوبين عن فقدانهم للثقة في المنتخبين وفي الإدارة العمومية.

وجاء التقرير ثمرة جولة وطنية لـ”مقاهي المواطن”، همّت 49 لقاء في جهات مختلفة من البلاد، واستطلعت آراء أزيد من 1100 شابة وشاب من خلفيات وفئات متنوعة.

ومن خلال هذا العمل الميداني، تم رصد خمسة ملامح بارزة لواقع المشاركة المواطِنة في صفوف الشباب، أبرزها شعور متزايد بالعزلة المؤسساتية، وانسحاب نفسي وتدريجي من الحياة العامة، تغذّيه مشاعر بعدم الجدوى وتكرار التجاهل، بدل أي رفض صريح أو مواجهة علنية.

عوامل متعددة تغذي هذا الانفصال: من تعقيد المساطر الإدارية وصعوبة الولوج إلى المعلومة، إلى غياب التفاعل من طرف المسؤولين وضعف آثار المبادرات الرسمية الموجهة للشباب، غير أن ما يثير الانتباه أكثر، هو أن هذا الانسحاب لا يعني العزوف الكلي، بل تعبيرًا عن بحثٍ حثيث عن بدائل خارج الأطر التقليدية.

ورغم المناخ السلبي العام، رصد التقرير دينامية لافتة على مستوى المبادرات الفردية والجماعية التي يقودها شباب على الأرض أو عبر الفضاء الرقمي. من تنظيم حملات نظافة وأنشطة للأطفال، إلى إنشاء قنوات توعية وبودكاستات مدنية، يشير التقرير إلى أن فئة واسعة من الشباب لا تزال مؤمنة بدورها في التغيير، لكنها تصطدم بغياب الاعتراف والدعم المؤسسي، ما يخلق شعورًا بالإحباط وتراجعًا في الحماس.

وتؤكد البيانات الكمية المضمنة في التقرير هذا الاتجاه: 67% من الشباب يقرون بالحاجة إلى تكوين ومواكبة لتفعيل أفكارهم ومشاريعهم، في حين يشتكي 68% من ضعف أو انعدام تفاعل المؤسسات معهم على المنصات الرقمية، رغم أن معظم النقاشات الاجتماعية والسياسية اليوم تدور رحاها على هذه الفضاءات.

بينما فقط 48% من المشاركين يعتبرون آليات المشاركة الحالية فعالة، و36% أكدوا أن مساهماتهم في بوابات رسمية أو منصات تشاورية لاقت تجاوبًا ملموسًا.

كما لم يُغفل التقرير التفاوت المجالي الواضح، حيث أن إمكانيات المشاركة تختلف جذريًا بين الشباب في المدن الكبرى ونظرائهم في العالم القروي أو في المناطق المهمشة، فضعف التغطية الرقمية، نقص التجهيزات، وغياب فضاءات التكوين، كلها عوامل تؤدي إلى ما أسماه معدو التقرير بـ”مواطنة بدرجتين”.

وفي نهاية المطاف، يتجه التقرير إلى التأكيد على أن الشباب المغربي لا يرفض فكرة المشاركة في الشأن العام، لكنه يريد أدوات جديدة، تواصلًا حقيقيًا، وآليات أكثر شفافية ويسرًا، ويخلص إلى أن المطلوب اليوم ليس تحسيس الشباب بواجباتهم، بل الاعتراف بهم كفاعلين وشركاء حقيقيين في صياغة القرار العمومي.

ولهذا الغرض، أوصت جمعية “المواطنون” بجملة من الإصلاحات، منها تبسيط المساطر، دعم المبادرات غير الممأسسة، ودمج التربية على المواطنة الفاعلة ضمن المنظومة التعليمية والتكوينية.

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *