في خضم سباق المغرب نحو تحديث منظومته الاجتماعية وتعزيز كفاءة برامجه الموجهة للفئات الهشة، يسلّط تقرير تحليلي جديد صادر عن مركز كارنيغي للسلام الدولي الضوء على مفارقات التحول الرقمي في نظام الاستهداف الاجتماعي بالمملكة. فبينما يُروّج للرقمنة كأداة “ذكية” لتعزيز الشفافية والفعالية، يحذّر التقرير من أنها قد تتحوّل إلى سلاح تقشفي ناعم يُقصي الأضعف ويكافئ الأقوى تحت غطاء الحوسبة والخوارزميات.
التقرير المعنون بـ “الاقتصاد السياسي للبيانات الاجتماعية: الفرص والمخاطر في رقمنة نظام الاستهداف الاجتماعي بالمغرب”، والذي أعده الباحث المغربي في القانون والسياسات العامة عبد الرفيع زنون، يستعرض بالتفصيل التحولات الكبرى التي شهدها المغرب منذ سنة 2021، حين بدأ في اعتماد السجل الاجتماعي الموحد (RSU) كأداة رئيسية لتحديد المستفيدين من برامج الدعم والتحويلات النقدية والتغطية الصحية المجانية.
وعلى الرغم من النجاحات المحققة—منها دمج أكثر من 100 برنامج اجتماعي، وتوفير 15 مليار درهم، وتسجيل 12 مليون مستفيد من الدعم المباشر—يؤكد التقرير أن هذه المنظومة الرقمية لا تزال محفوفة بالتحديات السياسية والتقنية والحقوقية، أبرزها: العدالة الرقمية، مصداقية البيانات، الفجوة الرقمية، وخطر التحيز الخوارزمي.
المثير في خلاصات التقرير أن الرقمنة، بدل أن تكون بوابة للعدالة الاجتماعية، قد تتحوّل إلى أداة هندسة اجتماعية تخدم خيارات نيوليبرالية ضيقة، تُبرر تقليص شبكات الأمان الاجتماعي وتحويل الفئات الهشة إلى مجرد “بيانات” تُفلت أحيانًا من أنظمة التقييم التقني.
في هذا السياق، يعرض التقرير سلسلة من التجارب الدولية المقارنة—من البرازيل إلى جنوب إفريقيا، ومن مصر إلى كينيا—ويطرح توصيات عملية لتقليص المخاطر، من بينها إدماج الخوارزميات ضمن إطار حقوق الإنسان، تحديث دوري للبيانات، تعزيز حماية الخصوصية، وتوسيع معايير الأهلية لتشمل أبعادًا إنسانية أكثر مرونة.
هذا المقال التحليلي يسبر أغوار هذا التحول الرقمي المعقّد من خلال آراء خبراء في السياسات الاجتماعية، وتكنولوجيا المعلومات، والعدالة الاقتصادية، مستعرضًا ما إذا كان المغرب يسير حقًا نحو “رقمنة عادلة”، أم أن الثورة الرقمية في القطاع الاجتماعي ستبقى حكرًا على النوايا الحسنة، مع نتائج قد لا ترحم الفقراء.