في ظل خصاص بنيوي مستمر ينهك المنظومة الصحية الوطنية، تتجه الحكومة المغربية نحو تفعيل خطة متعددة الأبعاد لتدارك النقص المهول في الموارد البشرية، من أطباء وممرضين، في وقت تكشف فيه التقارير الرسمية عن فجوات عميقة تتعلق بضعف جاذبية القطاع العام، وسوء توزيع الموارد الطبية، خصوصًا في المناطق القروية والنائية.
هذه الخطة الحكومية، وإن بدت طموحة في ظاهرها، تطرح تساؤلات جدية حول قدرتها على معالجة أزمة متجذرة تتجاوز الأرقام، وتتمدد إلى عمق بنية الحكامة القطاعية.
في المقابل وزير الصحة والحماية الاجتماعية، أمين التهراوي، خلال جلسة برلمانية بندرة الكفاءات وارتفاع وتيرة هجرتها إلى الخارج، مشيرًا إلى أن ضعف جاذبية القطاع العمومي والمنافسة الدولية على الأطر الطبية يمثلان تحديين بنيويين كبيرين.
وفي مواجهة هذا الوضع، أعلنت الحكومة عن خطة تقوم على تعزيز التكوين، وتحفيز الموارد البشرية، واستقطاب كفاءات أجنبية، وتوسيع مناصب التوظيف العمومي، في محاولة لاحتواء العجز المتفاقم. ويأتي هذا التوجه في سياق تفعيل القانون رقم 33.21، الذي يفتح المجال أمام الأطباء الأجانب لممارسة المهنة داخل المغرب وفق شروط تنظيمية ومهنية محددة.
ووفق معطيات رسمية، يعمل حاليًا حوالي 580 طبيبًا أجنبيًا في المنظومة الصحية، ضمن مسعى لتغطية الخصاص في بعض التخصصات الحيوية.
لكن رغم الطابع العملي لهذا الانفتاح، يظل محفوفًا بتحديات قانونية ومهنية تتعلق بتكافؤ المعايير، ومراقبة الجودة، ومعادلة الشهادات. كما أن اللجوء إلى أطر أجنبية يمثل في نظر البعض اعترافًا صريحًا بعجز داخلي عن إنتاج كفاءات طبية كافية أو الحفاظ عليها.
المعطيات المتاحة ترسم صورة مقلقة، حيث تشير تقارير المجلس الوطني لحقوق الإنسان إلى أن ما بين 10 آلاف و14 ألف طبيب مغربي يمارسون خارج أرض الوطن، ما يعادل ثلث الكفاءات الطبية الوطنية.
ويُضاعف هذا النزيف من حدّة الأزمة الداخلية، خاصة أن المغرب يحتاج إلى 32 ألف طبيب إضافي، في وقت لا يتجاوز فيه عدد العاملين حاليًا 23 ألفًا فقط، منهم 9,021 في القطاع العام و14,622 في القطاع الخاص.
في مواجهة هذا الواقع، رفعت وزارة الصحة من عدد مناصب التوظيف المخصصة للأطر الصحية، من 4,000 منصب سنة 2019 إلى 6,500 منصب متوقع سنة 2025، بزيادة تفوق 60 بالمئة. كما اعتمدت الوزارة منذ 2020، مبدأ اللامركزية في مباريات التوظيف، عبر تفويض المديريات الجهوية تنظيم المباريات، لتجاوز اختلالات التوزيع الترابي، والحد من عزوف الأطباء عن المناطق النائية.
وفي السياق ذاته، شهد عام 2022 توقيع اتفاقية إطار بين وزارات الصحة والتعليم العالي والمالية، باستثمار يفوق 3 مليارات درهم، تهدف إلى مضاعفة الطاقة التكوينية لكليات الطب ومعاهد التمريض، وتعزيز البحث العلمي والتكوين الأكاديمي. كما تضمنت الإجراءات تحسين الوضعية الإدارية والمالية للأطباء والممرضين، من خلال تفعيل الرقم الاستدلالي 509 للأطباء الجدد، ورفع تعويضات الأخطار المهنية، وبدء العمل بنظام “الوظيفة الصحية”، الذي يشمل أجورًا متغيرة وتحفيزات خاصة للعاملين في المناطق النائية.