في زمن بات فيه الطلاق أشبه بموضة يتبعها “المؤثرون” و”المؤثرات”، وأصبحت إقامة حفلات للإعلان عنه نوعًا من التباهي، نشهد انحدارًا خطيرًا في منظومة القيم الأسرية، خاصة مع تأثير مواقع التواصل الاجتماعي، فقد تحوّلت هذه المنصات إلى فضاء يعبّر فيه البعض عن عقدهم النفسية، ويكشفون أسرار حياتهم الخاصة أمام العلن، مما يزيد الوضع تعقيدًا، والغريب أن هذا التصرّف يُقدَّم أحيانًا كنوع من “التحرر” أو “الانتصار”، في حين أنه يعكس جهلًا دينيًا وتخلفًا اجتماعيًا.
ما يحدث اليوم يجعلنا نطرح تساؤلات حقيقية: إلى أين تتجه الأسرة في عصرنا هذا؟ وما الأسباب التي تدفع البعض إلى المجاهرة بمثل هذه السلوكيات؟ ولماذا أصبح الطلاق، الذي يفترض أن يكون حلًا اضطراريًا، مناسبة للافتخار؟
تصرفات ناتجة عن التفكك الأسري
في هذا الصدد، قال عبد الرحيم عنبي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة محمد الخامس بالرباط، إن هذه التصرفات ناتجة عن التفكك الأسري الذي أصبح المغرب يعاني منه، بسبب تفريغ المؤسسة الأسرية من مضمونها الاجتماعي والثقافي.
وأكد عنبي، في تصريحه لـ”بلبريس”، أن مؤسسة العائلة كانت قائمة على رهانات كبرى، مثل الإنجاب وتكوين روابط اجتماعية واقتصادية قوية، مضيفًا أن الزواج كان يتم وفق استراتيجيات دينية وثقافية تعزز من تماسك الأسرة. وبالتالي، كان يتم داخل أوساط اجتماعية وثقافية متقاربة، وحتى في حالة وقوع الطلاق، كانت المؤسسة العائلية تتدخل لتلم شمل المطلقة وتعيدها إلى زوجها، باعتبار الزواج مسألة عائلية بالدرجة الأولى.
إفراغ الزواج من مضمونه الحقيقي
وأضاف الأستاذ في علم الإجنماع، أن الزواج في الوقت الحالي قد فُرّغ من مضمونه الحقيقي، حيث كان يحمل رهانات ثقافية واجتماعية واقتصادية، لكنه أصبح الآن مجرد شراكة بين شخصين، يسعى كل منهما لتحقيق هدف ربحي أو مادي في المقام الأول، مؤكدا أن زواج “المؤثرات” حاليًا أصبح قائمًا على جلب المشاهدات وتصوير تفاصيل الحياة الزوجية، مما جعل الطلاق لا يُنظر إليه كخسارة، بل كوسيلة للربح وجذب المزيد من المتابعين، في ظل تبخيس واضح لقيم المؤسسة العائلية.
وأردف عبد الرحيم عنبي أن هذه الاحتفالات تُظهر أن المؤسسة العائلية قد تفككت، وأن هناك تغيرًا عميقًا في المفاهيم، مثل مفهوم الزواج والرابط الأسري، مضيفًا أن الرابط المهيمن حاليًا هو الرابط الاقتصادي الربحي.
وأرجع السبب إلى هيمنة الرأسمالية على المؤسسة العائلية، وربط مفهوم السعادة والزواج بما هو مادي، كالسفر وشراء الهدايا والشقق والسيارات الفاخرة، حيث أصبح معيار نجاح الزواج هو المدخول المادي، أي أن الرابط الاجتماعي والأسري تم استبداله برابط اقتصادي، وبالتالي، تم تحويل المؤسسة العائلية من قيمة اجتماعية إلى مؤسسة رأسمالية (أشبه بمقاولة).
ناقوس الخطر
ولخلص عنبي إلى أن “ما نشهده حاليًا على مواقع التواصل الاجتماعي من احتفالات بالطلاق يكشف عن ثلاث حقائق خطيرة وهي أن العائلة تفككت، وأن المغرب أصبح يعيش على وقع “العائلة المقاولة”، أي أن العلاقة داخل الأسرة باتت محكومة بالمنفعة الاقتصادية، و أن هدف هؤلاء الأشخاص هو الربح المادي، ولو كان ذلك على حساب القيم والمبادئ الإنسانية،أن ما يحدث اليوم يدق ناقوس الخطر، ويهدد المجتمع المغربي والأجيال القادمة في عمقها الأسري والثقافي”.