في سياق النقاش الوطني حول ورش تعميم التغطية الصحية وتعزيز الحق في العلاج، شهدت الجلسة الشهرية المخصصة للأسئلة الشفوية الموجهة لرئيس الحكومة بمجلس النواب، مداخلات قوية من فرق الأغلبية، التي أكدت في مجملها أن الحكومة حققت تحوّلًا جذريًا في القطاع الصحي، واضعة المواطن البسيط في صلب أولوياتها.
وفي خضم هذا النقاش، برزت تصريحات محمد شوكي، رئيس فريق التجمع الوطني للأحرار، الذي اعتبر أن الحكومة “قلبت المعادلة” وأنصفت “الدرويش”، منوّهًا بما تحقق من إنجازات غير مسبوقة في ورش التغطية الصحية، ومشدّدا في الوقت ذاته على أن السيادة الوطنية، بما فيها السيادة الصحية، خط أحمر لا يقبل المزايدات.
كما لم تَخلُ المداخلات من تحذيرات وانتقادات موجهة إلى من يحاولون تشويه الحقائق أو تقويض الثقة في المسار الإصلاحي، حيث شددت فرق الأغلبية على أن الورش الصحي لا يمكن أن يكون مادة للتجاذب السياسي أو السجال الشعبوي، باعتباره ورشًا ملكيًا بامتياز يعكس إرادة الدولة في ترسيخ أسس العدالة الاجتماعية والدولة الاجتماعية.
محمد شوكي :الحكومة قلبت المعادلة وأنصفت “الدرويش”
شدد فريق التجمع الوطني للأحرار على أن “السيادة الوطنية خط أحمر ولا يمكن أن يتكون، وفق تعبيره، موضوع سجال أو بوليميك”، مبرزا أن يحاول ضرب السيادة الوطنية صباح مساء ويهدد حياة المواطنين بالسمارة لا يمكن أن يحظى بخطاب التبرير والذرائعية أو المحاباة، بل بخطاب التصدي والصرامة”، على حد قوله.
جاء ذلك في كلمة لرئيس فريق التجمع الوطني للأحرار، محمد شوكي، في الجلسة الشهرية المخصصة للأسئلة الشفوية الموجهة لرئيس الحكومة بمجلس النواب حول “السياسة الحكومية لتعزيز الحق في الصحة”، يومه الإثنين.
وقال شوكي: “لا يمكننا تجاهل لحظة سياسية بالغة الدقة، تفرض علينا جميعاً التوقف، عند إحدى القضايا المفصلية، بالغة الأهمية الوجدانية والحساسية الوطنية، تأتي على رأس كل القضايا الاستراتيجية ذات الرهانات السيادية من قبيل الأمن الصحي والأمن الغذائي والمائي وغيرها من التحديات الحيوية”.
وأضاف: “إنها قضية السيادة الوطنية والوحدة الترابية، التي لا يمكن في أي حال من الأحوال أن تكون مادة للتسويق الشعبوي أو للمزايدات السياسوية الصغيرة التي لا تليق بثقل وقدسية الوطن”، مبرزا أن “فريق التجمع الوطني للأحرار، يعتبر أن السيادة الوطنية خط أحمر ولا يقبل أن يكون بأي حال من الأحوال مجرد التفكير في جعله موضوع سجال أو بوليميك حيث لا تبدو الحاجة إليه ذات جدوى في ظل الاجماع الوطني القوي حول هذا الموضوع والخيارات ذات الصلة”، وفق تعبيره.
وتابع: “لا يمكننا أن نغض الطرف مع أي شكل من أشكالالضعف العاطفي الواهم والحالم الذي قد يتسبب في موت الفطنة السياسية في العلاقة مع قضية وحدتنا الترابيةالتي أقل ما تشترط علينا جميعاهو أن نزن كلامنا بشأنها بشكل دقيق، لأن موضوع الإجماع الوطني يفرض علينا جميعا الكثير من المسؤولية في القول والعمل”.
وأكمل: “إن من يحاول ضرب السيادة الوطنية صباح مساء ويهدد حياة مواطنينا بالسمارة لا يمكن أن يحظى بخطاب التبرير والذرائعية أو المحاباة، بل بخطاب التصدي والصرامة ودعوتنا اليوم هي دعوة إلى الانضباط السياسي والرزانة الخطابية والابتعاد عن ما قد يشوش على وحدة الكلمة وعن كل خطاب في رموز الدولة ومؤسساتها وثوابتها ومقدساتها”.
اعتبر فريق التجمع الوطني للأحرار أن ما تحقق في عهد هاته الحكومة في ورش تعميم التغطية الصحية لم يتحقق في أي حكومة سابقة، مشددا على أن الحكومة لم تتعامل مع السيادة الصحية كمجال للمزايدات السياسوية.
وشدد على أن الإصلاحات العميقة التي شُرع في تنفيذها داخل قطاع الصحة ليست فقط إجراءات تقنية أو إدارية، بل رؤية شمولية واضحة، تقطع مع عهد الإجراءات المتفرقة والترقيعية، معتبرا أن الحكومة أثبتت صلابة الإرادة ووضوح الرؤية،فبفضلهما استطاعت الحكومة قلب المعادلة وتبديد إرث أعوام من التراجع والتردد.
وأضاف: “الواقع يكشف أن المواطن الدرويش والبسيط والهش والمهمش، صار له اليوم الحق في العلاج بكرامة، في مستشفيات عمومية وخاصة، دون أن يُسأل عن مهنته أو دخله أو وضعيته في إطار كامل من الإنصاف والمساواة مع الجميع، فهل كان من المتخيّل قبل سنوات أن يدخل عاطل عن العمل مصحة خاصة ويتلقى العلاج وفق سلة علاجات محددة حيث يستفيد الجميع على قدر المساواة وهل كان سائق طاكسي أو صانع تقليدي أو عامل بسيط يحلم بتغطية صحية؟ إنها ليست وعوداً، بل واقع نشهده”.
وتابع: ” نعيش ثورة هادئة في المنظومة الصحية، ثورة هندس لها الملك ، وتنفذها حكومة صادقة وجريئة ومسؤولة لا ترتبك تحت الضغط، ونعلم علم اليقين أن الزبد يذهب جفاء وأن ما ينفع الناس يمكث في الأرض
وأكد شوكي أن “السيادة الصحية والدوائية لا يمكن فصلها عن السيادة العامة، وتحقيق الأمن الصحي يعني حماية الأمن الاستراتيجي والسيادة الوطنية والحفاظ على القرار الوطني”، مبرزا أن “الحكومة لم تتعامل مع السيادة الصحية كمجال للمزايدات السياسوية ولا بمنطق مطية للحالمين عسى أن تحملهم نسائم وهبات منجزاتها إلى الفوز الصغير، ولم تتعامل بمنطق مجرد عواطف وطنية أو شعارات حماسية أو تعهد انتخابي”، وفق تعبيره.
وشدد المتحدث ذاته على أن “السيادة الصحية والدوائية مجهود وطني آني وبعيد المدى يهدف إلى خلق الثقة لدى المواطن بأن حقوقه الأساسية في الصحة والدواء مهما كانت الظروف العادية والوبائية مضمونة ومحصنة ومطوقة بسياسات عمومية ومخططات ذات طابع استراتيجي”، مشيرا إلى أن هذه الحكومة يحسب لها الاحترام التام للأجندة الملكية؛ منوها بالجدية والفعالية التي يتم الاشتغال بها حيث كان التقيد الدقيق بالأجندة الزمنية لهذا الورش.
ولفت أن “الحكومة أطلقت مسلسلا إصلاحيا عميقا مسؤولا وفق الطموحات التي عبر عنها الملك حيث أبرز مرارا أهمية تحسين نظام الحماية الاجتماعية وتوسيع التغطية الصحية مشددا على ضرورة التزام الحكومة بتحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير خدمات صحية متكاملة”، على حد قوله.
وجدد رئيس فريق الأحرار التأكيد أن “ما تحقق في عهد هاته الحكومة في ورش تعميم التغطية الصحية وراء التوجيهات الملكية لم يتحقق في أي حكومة سابقة، والدليل الأول، وفق تعبيره، هو أن هناك 11 مليون مواطن اليوم يستفيدون من “أمو-تضامن”، مقارنة بالعدد الفعلي للمستفيدين من “راميد” الذي كان في حدود 10 ملايين مستفيد، ولم يصل أبدا إلى 18.5 مليون بل أن هذا العدد كان تراكميا من سنة 2005 إلى 2022، فضلا عن انتقال عدد الأرامل اللائي كن يستفدن من الدعم في عهد الحكومتين السابقين من 75.000 أرملة إلى أزيد من 420.000 أرملة يستفدن من الدعم.
ولفت المتحدث ذاته أن “التصنيع الدوائي المحلي من الركائز الأساسية في السياسة الصحية الوطنية، مثمنا توجه الحكومة نحو إرساء منظومة إنتاجية متكاملة تجمع بين الابتكار والسيادة والعدالة الدوائية، من خلال تشجيع الاستثمار في التصنيع الكامل للأدوية البيولوجية محلياً ودعم نقل التكنولوجيا وتحفيز البحث والتطوير في مجالات الأدوية.
أحمد التويزي:البرنامج الحكومي من أولوياته ترسيخ الدولة الاجتماعية
حذر رئيس فريق الأصالة والمعاصرة، أحمد التويزي، الرأي العام وتمرير المغالطات بخصوص الأرقام المتعلقة بالتغطية والرعاية الصحية، مذكرا بأنه “تابع مؤخرا خرجات لقادة سياسيين يتهمون الحكومة بالفشل في تنزيل هذا المشروع الاجتماعي”.
وقال بهذا الخصوص: “لا يمكننا القول بأن هذه الحكومة أقصت أكثر من 8.5 ملايين ونصف من هذه الحماية، وجعلتهم خارج التغطية الاجتماعية لما اعتمدت التأمين الإجباري عن المرض، حيث يعتقد البعض أن أكثر من 18.5 مليون كانت مسجلة في إطار الراميد، وهذا أمر فيه تغليط للرأي العام الوطني وغير مبني على أسس علمية دقيقة، صحيح أن هناك نقائص يجب تداركها، لكن الحكومة قامت بمجهود كبير في هذا المجال”.
وفي هذا الصدد، شدد التويزي على أن “البرنامج الحكومي الذي تعاقد البرلمان مع الحكومة بشأنه، من أولوياته ترسيخ الدولة الاجتماعية، وتنزيل هذا البرنامج يقتضي أولا وقبل كل شيء الاهتمام بالحماية الاجتماعية، ويأتي على رأسها قطاع الصحة”.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن “الحكومة وضعت المواطن في صلب انشغالاتها وأولوياتها، سواء على مستوى تعليمه أو تشغيله أو ظروف سكناه، إلا أن المواطن لا يمكن أن يستمتع بجودة الحياة، ويحيا حياةً جيدة، إلا بالاعتناء بصحته أولا وأخيرا، لذلك لم تدخر الحكومة جهدا في تأهيل هذا القطاع، منطلقة من مسلمة أساسية تتمثل في أن تعميم الحماية الاجتماعية يقتضي تأهيلا حقيقيا للمنظومة الصحية برمتها، وفق تعبيره.
وأبرز أن الحكومة وضعت نصب أعينها الأولويات الثلاث، إرساء حكامة جديدة للمنظومة الصحية والاعتناء بالأطر الطبية وتثمين الموارد البشرية وتأهيل شامل للتجهيزات الطبية والبنيات الاستشفائية، بما يحقق جاذبية المستشفى العمومي.
وأضاف: “الحكومة الحالية لا تنسب مشروع الحماية الاجتماعية لنفسها وحدها، وإنما هو مشروع ملكي، ساهمت الحكومات السابقة في وضع أسسه، والحكومة الحالية كان لها الشرف في تنزيله في إطار عمل تراكمي، حيث وضعت الإنسان في صلب اهتماماتها وانشغالاتها، سواء تعلق الأمر بتعليمه أو ظروف سكناه أو في تشغيله أو في استشفائه وصحته”.
ورفض المتحدث ذاته اتهام بأن الحكومة تخلق الأزمات لتشجيع القطاع الخاص، مبرزا أن الحكومة ضبطت المسار الطبي الذي من شأنه أن يحافظ على التوازن المالي للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي مع معالجة إشكالية شيك الضمان ومراجعة وضبط التعرفة المرجعية للأدوية.
وبخصوص العمل الحكومي في قطاع الصحة، ذكر بأن الحكومة منذ بداية هذه الولاية، 16 قانونا يأتي على رأسها القانون المتعلق بالوظيفة الصحية والقانون المتعلق بالمجموعات الصحية الترابية والقانون المتعلق بالهيئة العليا للصحة والقانون المتعلق بالهيئة الوطنية للصيادلة والقانون المتعلق بالوكالة المغربية للدم ومشتقاته والقانون المتعلق بالوكالة المغربية للأدوية والمنتجات الصحية.
فيما بلغت ميزانية قطاع الصحة 32 مليار درهم سنة 2025، بعدما كانت لا تتجاوز 12.7 مليار درهم سنة 2021، وهذا مجهود استثنائي وغير مسبوق، وفق تعبيره، مؤكدا أن الحكومة أرست مبدأ العدالة المجالية، من خلال إحداث المجموعات الصحية الترابية للجواب على مختلف التحديات الترابية في توزيع العرض الصحي، داعين الحكومة إلى الإسراع بتنزيل هذه المجموعات في مختلف جهات المملكة، وهو الأمر الذي سيسمح بالاستفادة من سلة العلاجات والخدمات الاستشفائية على قدم المساواة بين عموم المواطنين.
علال العمراوي:المغرب في مرحلة بناء شامل للمنظومة الصحية
أكد رئيس الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية، علال العمراوي، أن “المغرب في مرحلة بناء شامل للمنظومة الصحية تتحقق عبر سياسة مندمجة ومتكاملة تنطلق أولا من تحسين العرض الصحي مرورا بالعمل على تقوية التكوين الصحي كما وكيفا من أجل ضمان توزيع عادل للموارد البشرية الصحية وتقليص الفوارق المجالية، فضلا على الاستمرار في تحقيق السيادة الوطنية على مستوى الصناعة البيوطبية أو الامن الدوائي”.
وأضاف العمراوي: نمر بمرحلة بناء صعبة، لمنظومة صحية عانت لسنوات من اصلاحات لم تكن كافية بشهادة الجميع، ولأن البناء نسق متكامل، فإننا نذكر من يحتاج لتذكير، من أين انطلقنا قبل سنوات وأين وصلنا اليوم”.
ودعا المتحدث ذاته المواطنين إلى الانخراط في هذا الورش بالقول: “أدعو المواطنين الذين لم يتسجلوا بعد، للإسراع في الانخراط، وخاصة أصحاب المهن الحرة، لأن الصحة غير مضمونة، ونعمة لا يقدر قيمتها إلا الذين يعانون من أمراض خطيرة.
واستطرد: “الدليل على ذلك أن فئات واسعة ممن كانوا في زمن الراميد في لوائح الانتظار الطويلة من أجل أجراء عمليات معقدة كالقلب المفتوح، تمكنوا جلهم من أجراء هده العمليات باعتماد تغطيتهم الصحية التي تتحمل الدولة تكاليف اشتراكهم بأكثر من 9 مليار درهم سنويا بالنسبة للمستفيدين من أمو تضامن بالإضافة إلى مليار درهم تؤدى سنويا إلى المستشفيات العمومية مقابل الخدمات التي تقدمها بالمجان”.
من جهة ثانية، أقر رئيس الفريق الاستقلالي بأنه “على الرغم من كل هذه الجهود المقدرة من أجل تأهيل المنظومة الصحية، إلا أن محور تعزيز حكامتها والرفع من نجاعة أدائها يبقى أمرا مركزيا، بل التحدي الأكبر، خاصة ونحن نؤسس اليوم لإحداث الهيئة العليا للصحة، والمجموعات الصحية الترابية باعتبارها مؤسسات عمومية مستقلة تضم جميع المؤسسات الصحية العمومية على مستوى كل جهة والتي ستتكلف بالتنزيل الجهوي للسياسة الصحية”، وفق تعبيره.
وأضاف: “المطلوب اليوم هو إنجاح التوطين الترابي للسياسة الصحية الوطنية مع إمكانية وضع أنظمة لتحفيز الموارد البشرية تبعا للمردودية وبما يتيح لهذه المجموعات الصحية خلق مناخ أكثر جاذبية للموارد البشرية المتخصصة والذي يشكل الهاجس الأكبر في المناطق الصعبة”.
وأكمل: المنظومة الصحية محتاجة لمجموعات صحية قادرة على منافسة القطاع الخاص الذي أحيي الوطني منهوهم الأغلبية، وأقول الله يهدي البعض منه الذي يستغل مرحلة البناء في غياب هيأة قوية تسهر على احترام الأخلاقيات الطبية الإنسانية”.