في مشهد تنافسي يتسم بتعدد الخيارات وتنوع العلامات التجارية، تمكنت “جودة”، العلامة التابعة للتعاونية الفلاحية “كوباك”، من فرض اسمها كأكثر علامة مغربية حظيت بثقة المستهلكين لسنة 2025، وفقًا للتصنيف السنوي الصادر عن المؤسسة الدولية “Worldpanel by Numerator”، المتخصصة في تحليل سلوك المستهلكين عبر العالم.
هذا التتويج لم يكن مجرد رقم مضاف في سجل الجوائز، بل جاء ليتوج رؤية تسويقية مدروسة تراهن على القرب من المستهلك المغربي، وتستثمر في فهم سلوكياته الاستهلاكية اليومية، سواء من خلال الأسعار، أو التنوع، أو التوزيع الذكي عبر نقاط البيع التي تركز على منظومة التجارة التقليدية، والتي لا تزال تشكل النسبة الغالبة في السوق الوطنية.
وقد جاء هذا التتويج مزدوجًا، إذ حصلت “جودة” على جائزتين مهمتين: الأولى باعتبارها العلامة الأكثر اختيارًا من حيث معدل استهلاك الأسر المغربية، والثانية في فئة منتجات الألبان، وهي الفئة التي تعرف منافسة شرسة بين علامات محلية وأخرى عالمية. ما يجعل هذا الإنجاز يحمل أكثر من دلالة في سياق اقتصادي تزداد فيه التحديات المرتبطة بالقدرة الشرائية وتغير أنماط الاستهلاك.
النجاح الذي حققته “جودة” لا يمكن فصله عن استراتيجيتها التسويقية القائمة على البساطة والواقعية؛ فهي لم تتوجه إلى المستهلك عبر حملات دعائية ضخمة أو وعود مثالية، بل اختارت الدخول إلى البيوت المغربية من خلال توفير منتجات تُشبه المستهلك، وتخاطب حاجياته الأساسية، وتراعي تقاليده الغذائية، في المدن كما في القرى.
تقرير مؤسسة “Worldpanel” أكد بدوره أن العلامات المغربية تسجل نموًا متسارعًا مقارنة بنظيراتها العالمية، مشيرًا إلى أن مفتاح هذا النمو هو توسيع قاعدة الزبائن من خلال جذب مستهلكين جدد بدل التركيز فقط على الولاء. وقد رصد التقرير أن 88 في المائة من العلامات التي شهدت تطورًا لافتًا عالميًا، هي التي تمكنت من كسب ثقة مستهلكين جدد، وهو ما ينطبق بدقة على مسار “جودة” في السوق المحلي.
ما يميز هذا الإنجاز أيضًا هو السياق الذي تحقق فيه. فالمنافسة لم تعد قائمة فقط على الجودة أو السعر، بل أصبحت تتطلب مرونة كبيرة في قراءة تحولات السوق، واستباق احتياجات المستهلك، ومواكبة المناسبات الاجتماعية والدينية مثل شهر رمضان، الذي يشكل محطة أساسية في دورة الاستهلاك السنوية بالمغرب.
نجاح “جودة” إذن يتجاوز كونه تتويجًا تجاريًا، ليحمل في طياته إشارات مهمة حول قدرة العلامات المحلية على التميز في ظل نظام اقتصادي يفتح المجال أمام المنافسة الخارجية. كما يعكس أن الابتكار لا يعني بالضرورة اختراع الجديد بقدر ما يعني أحيانًا العودة إلى البديهي: منتج مغربي بجودة محترمة، بسعر مناسب، وبقرب حقيقي من المواطن.