“بلبريس” تكشف كواليس حصرية عن ملف الأستاذ المنتحر بعد إقالته

في خضم الجدل الذي أثارته وفاة الأستاذ “معاذ ب.ح”، أستاذ التعليم الابتدائي بمؤسسة طارق بن زياد، تصاعدت تساؤلات حادة حول خلفيات توقيفه عن العمل، خاصة بعد تناقض واضح بين مراسلة داخلية موقعة من طرف المدير الإقليمي بتاريخ 23 يونيو 2025، وبلاغ صادر عن الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بتاريخ 7 يوليوز من نفس السنة.

وتفيد المراسلة بتوقيف الأستاذ عن العمل ابتداء من 24 يونيو المنصرم، بناء على شكايات وتقارير تربوية، وتؤكد إحالته على أنظار اللجنة الجهوية للتأديب والانضباط.

في المقابل، يورد بلاغ الأكاديمية أن المعني لم يتعرض لأي قرار إداري أو توقيف للأجرة، في ما اعتُبر من قبل المهتمين تناقضًا جوهريًا في توصيف وضعية الموظف.

مصدر مطلع يفكك خيوط الملف ويوضح موقف المديرية:

مصدر جيّد الاطلاع على الملف أكد لجريدة بلبريس أن الأستاذ لم يُفصل من عمله، وإنما تم توقيفه بشكل احترازي في انتظار مثوله أمام المجلس التأديبي الجهوي، باعتباره الجهة الوحيدة المخول لها اتخاذ القرارات التأديبية. وأضاف أن توقيف الأجرة لم يُفعّل، بدليل توصّله بأجرته عن شهر يونيو، وهو ما تؤكده وثيقة صرف رسمية.

وأوضح أن الملف لم يكن وليد لحظة، بل تراكمات سلوكية ومهنية منذ سنوات، حاولت المديرية احتوائها عبر إجراءات تربوية تدريجية، شملت النقل بين أربع مؤسسات (وليس ثلاث كما كان متداولًا)، وبتدخل مديرين ومفتشين ونقابيين وآباء، سعيًا لإعادة إدماجه وتحسين أدائه. لكن الوضع، وفق المصدر، تعقّد بسبب استمرار السلوكيات غير التربوية، من تعنيف للتلاميذ، التدخين داخل المؤسسة، غيابات متكررة، ورفض تسلم الوثائق الإدارية.

وأكد أن الأستاذ كان موضوع استفسارات، وتنبيه، وإنذار رسمي، فضلًا عن تقارير مفتشين أوصت بإحالته على الخبرة الطبية، وبعضها، حسب معطيات توصلت بها الجريدة، لم يتضمن تاريخًا رسميًا، ما يثير تساؤلات حول شكليات إعدادها. كما أشار إلى أن توقيفه يوم 1 يوليوز 2025 تم بشكل قانوني وهادئ، وليس كما تم الترويج له إعلاميًا.

في السياق ذاته، أظهرت مراسلات حصلت  بلبريس على نسخ منها، أن “الملف التأديبي للأستاذ تضمن ما اعتُبره بعض المراقبين “تكالبًا مؤسسيًا” من داخل محيطه المهني، وُظفت فيه تقارير كيدية وشكايات متكررة، من طرف مديرة المؤسسة، وبعض أعضاء جمعية الآباء، الذين طالبوا، منذ شهري يناير وفبراير، بإحالته على الخبرة النفسية، واعتبروه غير صالح للتدريس”.

 مقربون من الأستاذ يشككون في العدالة الإدارية وينبّهون لاختلالات خطيرة:

من جهتهم، يؤكد مقربون من الأستاذ الراحل أن ما تعرض له الأخير  لم يكن مجرد مسار تأديبي عادي، بل سلسلة ضغوطات ممنهجة ساهمت في تدهور وضعه النفسي، لاسيما بعد وفاة والده خلال فترة تكوينه، ما ترك فيه جرحًا عميقًا.

وبينما يتم تداول تقارير مهنية تتحدث عن ضعف الكفاءة، يثير أحد الملاحظين تساؤلًا حول مشروعية بعض الوثائق الصادرة عن المؤسسة، مؤكدًا أن “الختم الإداري الذي ظلت المديرة تستعمله يتضمن  الاسم القديم للوزارة  قبل تغييره سنة 2021، ما يُعد خطأً إداريًا جسيماً يُفقد الوثائق القانونية حجّتها، ويضرب قانونية بيانات النقط وشهادات التلاميذ”.

ويتساءل المصدر: “ألم تنتبه اللجان الإقليمية أو الجهوية لهذا الخرق؟ وإذا كانت الوثائق الرسمية تصدر بطابع غير قانوني، فهل هي معترف بها؟ وهل يتحمل الأستاذ وحده مسؤولية الإخلال الإداري؟”.

من جانبه عبر مصدر نقابي، تحدث لبلبريس، عن استغرابه مما سماه “السكوت عن تجاوزات إدارية واضحة للمديرة”، مقابل التشدّد مع الأستاذ الراحل، متسائلًا: “لماذا لم تُفتح أي مساءلة في حق الإدارة رغم الأخطاء التوثيقية والإجرائية التي تم رصدها؟”

ويظل هذا الملف مفتوحًا على تساؤلات كثيرة تتجاوز وفاة أستاذ، لتطال البنية التأديبية داخل المؤسسة التعليمية، وآليات مواكبة الحالات النفسية الحرجة، وحدود الصلاحيات الإدارية، وشفافية الوثائق القانونية التي تصدر باسم المدرسة العمومية.

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية