في إجراء يعكس تشديد الرقابة والتأهب الإداري، قرر وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت تقليص العطلة السنوية للولاة والعمال من ثلاثة أسابيع إلى خمسة عشر يومًا فقط. ويأتي هذا القرار في سياق خاص يتزامن مع احتفالات عيد العرش، إحدى المحطات الوطنية الكبرى التي تتطلب حضورا مكثفا للمسؤولين الترابيين في مواقعهم.
وزارة الداخلية، وفي خطوة تنظيمية دقيقة، عمدت إلى تقسيم عطلة مسؤوليها الترابيين إلى أربع مراحل متتالية، لضمان عدم حدوث أي فراغ إداري أو ارتباك في تدبير الشأن المحلي. وشدّدت المذكرة الداخلية على ضرورة بقاء جميع المسؤولين داخل التراب الوطني خلال هذه الفترة، في إشارة واضحة إلى أن “زمن السفر إلى الخارج خلال المسؤولية قد ولّى”.
تقليص الإجازات… قرار إداري أم رسالة سياسية؟
رغم أن القرار يبدو إدارياً وتقنياً في ظاهره، إلا أن توقيته وطريقته يحملان أبعاداً سياسية وتنظيمية لافتة. فلطالما وُجهت انتقادات لبعض مسؤولي الإدارة الترابية الذين اعتادوا قضاء عطلهم في الخارج، وخصوصاً في شواطئ الجنوب الإسباني، بعيداً عن أعين المراقبة، وأحياناً في لحظات تعرف فيها المملكة تحديات داخلية أو خارجية.
ويُفهم من هذا القرار أن وزارة الداخلية عازمة على إعادة ترتيب البيت الداخلي، عبر بث رسائل صريحة بشأن الانضباط، والجاهزية المستمرة للمسؤولين، خاصة خلال فترات تحمل رمزية وطنية من حجم ذكرى عيد العرش.
مسؤولية مستمرة لا تعترف بالإجازات الطويلة
الولاة والعمال هم الواجهة التنفيذية للدولة في مختلف جهات وأقاليم المملكة، ومهامهم لا تنتهي بتوقيع المراسيم أو حضور الاجتماعات الرسمية. فهم مطالبون، أكثر من أي وقت مضى، بالبقاء في تواصل دائم مع المواطنين، وتدبير الملفات الأمنية والاجتماعية والاقتصادية، التي تتطلب حضورا ميدانيا واستعدادا متواصلا.
تحول في ثقافة المسؤولية
يرى متابعون أن هذا القرار يدخل ضمن سياسة جديدة تعتمدها وزارة الداخلية، ترمي إلى تكريس ثقافة “المسؤولية المستمرة”، بدل “المسؤولية الموسمية”. وهي رسالة واضحة بأن العمل في الإدارة الترابية ليس امتيازاً ظرفياً، بل التزاماً دائمًا، يستدعي تضحية جزئية بالراحة الشخصية، في سبيل خدمة المواطنين والمصالح العليا للوطن.
من الامتياز إلى الالتزام
وبينما قد يثير القرار استياء بعض المسؤولين الذين تعودوا على عطلات طويلة خارج أرض الوطن، إلا أنه يعكس اتجاها حاسما نحو ترسيخ مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، حتى في تفاصيل تبدو صغيرة كمدة العطلة أو مكان قضائها.
وفي الأخير، يبدو أن وزارة الداخلية مصممة على ترسيخ نهج جديد في الحكامة، عنوانه الأبرز: لا عطلة طويلة في زمن اليقظة، ولا راحة خارج الوطن في لحظة الوطن أولى بها.