فجر وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، عز الدين ميداوي، خلال مداخلته بمجلس النواب، قنبلة خطيرة ترتبط برئاسة الجامعة التي لا تخضع لا لرئيس الحكومة ولا لوزير التعليم العالي،بل تخضع لمزاج رئيس الجامعة دون رقيب او حسيب.وهي وضعية غير طبيعية حان الوقت للقيام بقطيعة جذرية معها لكونها تعد من بين أسباب الفساد الجامعي .
وجوابا على فضيحة الفساد الجامعي الذي هز كلية الجقوق باكادير ، واستأثر بالرأي العام والدولي، شدد الوزير ميداوي على ضرورة اتخاذ إجراءات مستعجلة والقيام باصلاحات عملية لوقف هذا الفساد ، مشيرًا إلى أن “الزجر وحده وحده لا يمكن أن يُحقق النتائج المرجوة، خاصة في قطاع التعليم العالي، في ظل التطور التكنولوجي وتسارع التحولات”.
وفي هذا السياق اكد الوزير ميداوي أنه حان الوقت ب “إعادة صياغة مشروع جديد لمنظومة التعليم العالي”، من خلال مراجعة عميقة للقانون التنظيمي رقم 01.00 المتعلق بالتعليم العالي ،الذي أحدث في وقت سابق “تحولًا استراتيجيًا كبيرًا”، لكنه اليوم اصبح بحاجة لاعادة النظر لمواكبة المستجدات و التطورات التي يعرفها المغرب،العالم.
وعليه أعلن ميداوي انه اتخذ عدة اجراءات لتغيير هذا الوضع منها اطلاق المجلس الاستشاري أو مجلس الحكماء كمشروع جديد، لتجنب أي اجتهادات فردية، لضمان حوكمة رشيدة للمؤسسات الجامعية، لأن الجامعة المغربية – وفق الإطار القانوني الحالي – هي المؤسسة العمومية الوحيدة التي يُرأسها رئيس الجامعة، دون خضوعها لرئاسة الحكومة أو لوزارة القطاع”. وأكد أن “هذا الوضع يجب أن يتوقف”.
،في نفس التوجه، أشار ميداوي إلى أن المجلس الاستشاري سيشكل “هيئة مستقلة تُرأسها شخصية كبيرة، ستختص بوضع الاستراتيجيات ومراقبة الأداء، مع إلزام رئيس الجامعة بتقديم حصيلة عمله ومناقشة برنامجه مع هذه الهيئة”. كما أبرز أن مجالس الجامعات ستُحتفظ باختصاصاتها التدبيرية، مع إدراج “دفاتر تحملات للمسؤوليات الجامعية، لضمان عدم التهرب من المساءلة”.وختم الميداوي بالتأكيد على أن “هذه الإصلاحات تهدف إلى تكريس استقلالية الجامعات، مع ضمان الشفافية والمحاسبة، بعيدًا عن أي تدخل غير مؤسسي”.
وتركيز الوزير ميداوي على إخضاع رؤساء الجامعات للمراقبة من طرف المجالس الحكماء هو قرار حكيم ، نظرا للاختصاصات الهامة التي خولها القانون لرئيس الجامعة المحددة في المادة الـ16 من القانون التنظيمي رقم 01.00 المتعلق بالتعليم العالي وهي كما يلي :
-
رئاسة مجلس الجامعة: يرأس رئيس الجامعة مجلسها ويقوم بتحضير قراراته وتنفيذها.
-
تمثيل الجامعة: يمثل الجامعة أمام القضاء ويرفع الدعاوى والدفاع باسمها.
-
التنسيق بين المؤسسات الجامعية: يقوم بالتنسيق بين المؤسسات الجامعية التابعة للجامعة.
-
التعيينات: يعين الأساتذة الباحثين ومستخدمي الجامعة، ويحدد مقرات تعيينهم.
-
إبرام الاتفاقيات: يبرم الاتفاقات والاتفاقيات بعد موافقة مجلس الجامعة.
-
التوقيع على الشهادات: يوقع على الشهادات الوطنية والشهادات الخاصة بالجامعة الممنوحة من المؤسسات التابعة لها.
-
الإدارة المالية: هو الآمر بقبض موارد الجامعة وصرف نفقاتها، ويمكنه تفويض بعض هذه الصلاحيات.
-
الالتزام بالنصوص التشريعية: يسهر على احترام النصوص التشريعية والتنظيمية والنظام الداخلي داخل الجامعة.
-
اتخاذ التدابير اللازمة: يتخذ جميع التدابير التي تستلزمها الظروف وفقًا للتشريع الجاري به العمل.
-
المساعدة الإدارية: يساعده نائبان للرئيس وكاتب عام، يعينهم بناء على اقتراحه.
هذه الاختصاصات تجعل رئيس الجامعة المسؤول الرئيسي عن الإدارة اليومية للجامعة وتنفيذ سياساتها الأكاديمية والإدارية;دون ان ننس ان رئيس الجامعة يعين علي أساس مشروع متكامل او دفتر تحملات لتاهيل ولتطوير الجامعة التي ترشح لها ،والغريب في الامر ان هذا الرئيس بعد انقضاء مدة تعيينه يغادر الجامعة دون حسيب ولا رقيب او محاسبة على مدى فشله او نجاحه في مهمة رئاسته للجامعة وفق دفتر التحملات التي عين على اساسه.
كل هذه الاختصاصات يمارسها رئيس الجامعة دون اي رقابية حكومية او وزارية ، لذلك قرر ميداوي إحداث المجالس الاستشارية أو مجالس الحكماء بكل الجامعات كخطوة استباقية لتعزيز استقلالية الجامعات وترسيخ الحوكمة الرشيدة في منظومة التعليم العالي، وهي مبادرة جاءت في إطار مراجعة شاملة للإطار القانوني الحالي، الذي لم يعد قادرًا على مواكبة التحولات التكنولوجية والمتطلبات الجديدة للتعليم الجامعي. فوجود هيئة مستقلة تُعنى بوضع الاستراتيجيات ومراقبة الأداء يُعد آلية ناجعة لضمان التوازن بين الاستقلال الأكاديمي والمحاسبة المؤسسية.
يُتوقع أن يساهم هذا المجلس في معالجة إشكالية المركزية المفرطة، حيث تشكل الجامعات المغربية استثناءً في غياب رقابة مؤسسية فعالة على رؤسائها. ومن شأن إشراف شخصيات ذات خبرة عالية على هذه الهيئة أن يعزز المصداقية ويحد من الاجتهادات الفردية، مع الحفاظ على الصلاحيات التدبيرية لمجالس الجامعات. كما أن اعتماد دفاتر تحملات للمسؤوليات الجامعية يُعد تطورًا إيجابيًا لربط المحاسبة بالنتائج، مما يعزز الشفافية ويقلص هامش التجاوزات.
تهدف هذه الإصلاحات إلى تحقيق نقلة نوعية في الحوكمة الجامعية، حيث توازن بين منح الجامعات استقلالاً حقيقيًا وضمان خضوعها لمعايير الجودة والمساءلة. وإذا ما أُحسن تنفيذها، فإنها قد تشكل نموذجًا يُحتذى به في تجاوز الإشكاليات الهيكلية التي تعيق تطور التعليم العالي، وتُجنبه مخاطر التسييس أو التراخي الإداري. وبذلك، يمكن لهذه الخطوة أن تُعيد الثقة في المؤسسات الجامعية، وتُرسخ مكانتها كفضاءات للتميز الأكاديمي والابتكار.