عاد ملف أسعار المحروقات إلى واجهة النقاش العمومي بالمغرب، بعد تسجيل زيادات جديدة دخلت حيز التنفيذ منذ الساعة الأولى من يوم الأحد 1 يونيو 2025، لتنهي بذلك فترة استقرار نسبي دامت قرابة شهرين، وتفتح الباب مجددًا أمام تساؤلات حول مدى فعالية السياسات الحكومية في حماية القدرة الشرائية للمواطنين، في ظل نظام التحرير الكامل المطبّق منذ 2015.
ووفق المعطيات المتوفرة، بلغ سعر الغازوال على المستوى الوطني في المتوسط حوالي 11.26 درهمًا للتر، فيما استقر سعر البنزين في حدود 13.22 درهمًا، مع تفاوتات محلية بحسب بُعد المدن عن محاور النقل والتوزيع، وهو ما يجعل التأثير أكثر وطأة على المناطق الداخلية والبعيدة عن الموانئ.
وتأتي الزيادة الحالية بعد تراجعات متواضعة شهدتها السوق خلال مارس وأبريل، حيث خُفض سعر الغازوال بما يقارب 28 سنتيمًا في مجموع الشهرين، بينما استقر سعر البنزين بعد تراجع بلغ نصف درهم منتصف مارس، ما خلق لدى المستهلكين انطباعًا مؤقتًا بإمكانية انفراج الوضع، قبل أن تُجهضه المعطيات الجديدة.
وتندرج هذه الزيادات في سياق دولي مطبوع بتقلبات حادة في أسعار النفط، نتيجة عدة عوامل متداخلة، أبرزها التوترات الجيوسياسية، وتغير سياسات الإنتاج لدى منظمة “أوبك+”، واستمرار تداعيات الحرب في أوكرانيا، فضلًا عن تصاعد الطلب من الأسواق الآسيوية الكبرى، وهي معطيات تنعكس بشكل مباشر على الكلفة عند الاستيراد.
إلى جانب السعر الدولي للبرميل، تساهم عناصر أخرى في رفع التكلفة النهائية على المستهلك المغربي، من بينها الشحن البحري، التأمين، التكرير، وتكاليف النقل البري داخل المملكة، وهي كلها عناصر لا تخضع لأي تسقيف أو دعم حكومي، ما يجعل السوق الوطنية أكثر عرضة للهزات الخارجية.
ورغم الدعوات المتكررة التي وجهتها جمعيات حماية المستهلك وعدد من النقابات لإقرار آلية لتسقيف الأسعار أو على الأقل تقنين هوامش الربح، فإن الحكومة تُواصل التمسك بخيار التحرير، مشددة على أن الأسعار تُحدد بناء على منطق السوق والمنافسة بين الفاعلين.
ويثير هذا الوضع تساؤلات حقيقية حول حدود “اليد الخفية” للسوق في قطاع استراتيجي يمس الحياة اليومية للمواطنين، حيث يطالب متابعون بضرورة إعادة النظر في تركيبة الأسعار، وتحديد سقف لهوامش الربح التي تحقّقها شركات التوزيع، خصوصًا في ظل الفجوة المتزايدة بين دخل المواطن وكلفة المعيشة.
ويُنتظر أن تعيد هذه المستجدات الجدل السياسي حول “البديل الممكن” في قطاع المحروقات، وسط تساؤلات متزايدة عن موقع الدولة كضامن للعدالة الاجتماعية، لا سيما في ظل غياب أي دعم مباشر أو آلية توازن تحمي الفئات الهشة من تداعيات تقلبات السوق.