خلصت دراسة سوسيولوجية حديثة تناولت إشكالية البيروقراطية داخل العمل النقابي المغربي إلى أن تصاعد النضالات الفئوية وانتظامها في تنسيقيات متعددة يعكس تراجع العمل النقابي، ليس فقط في المغرب بل في دول مغاربية أخرى أيضًا. وأرجعت الدراسة هذا التراجع إلى تفشي البيروقراطية النقابية، التي ساهمت في تقويض أسس الديمقراطية الداخلية داخل النقابات.
الدراسة التي نُشرت في العدد الأخير من مجلة العلوم الاجتماعية الصادرة عن المركز الديمقراطي العربي بألمانيا، تحت عنوان “بيروقراطية العمل النقابي بالمغرب: دراسة سوسيولوجية في المحددات والتجليات والانعكاسات”، اعتبرت أن البيروقراطية تحولت من أداة تنظيمية تهدف لضبط الهياكل النقابية إلى عائق أمام حيويتها وديناميتها.
وأوضح الباحثان طيب العيادي والحسين الزهواني، من جامعة ابن طفيل بالقنيطرة، أن هذه الظاهرة تحدّ من فعالية النقابات وقدرتها على اتخاذ القرارات في الوقت المناسب، ما يضعف أداءها التمثيلي.
وسلطت الدراسة الضوء على غياب الديمقراطية الداخلية كواحد من أبرز تجليات البيروقراطية النقابية، مشيرة إلى أن الممارسة الديمقراطية تظل شكلية في معظم النقابات، حيث تهيمن أقلية بيروقراطية على صناعة القرار. كما لفتت إلى الالتفاف على الديمقراطية سواء كمبدأ أو ممارسة، خاصة خلال المحطات الانتخابية وانتداب المؤتمرين، باستخدام أساليب الحشد لضمان أغلبية مُتحكم فيها.
وأبرزت الدراسة أن القيادات البيروقراطية، بعد إحكام سيطرتها على التنظيمات، تلجأ إلى أساليب غير ديمقراطية لتعزيز هيمنتها، مثل انتداب الأمين العام مباشرة من المؤتمر دون انتخاب باقي الأجهزة الوطنية، وهو ما اعتمدته نقابات كالاتحاد المغربي للشغل منذ منتصف الثمانينيات، واقتدت به الكونفدرالية الديمقراطية للشغل. وأشارت إلى أن هذا الأسلوب يمنح الأمين العام سلطات واسعة، حيث يصبح مسؤولا أمام المؤتمر فقط، ما يفتح الباب أمام قرارات أحادية.
وأكدت الدراسة أن غياب آليات رقابية داخل القواعد النقابية يعمّق من تغلغل هذه البيروقراطية، ويجعل النقابات تندمج مع بنية النظام السياسي والاقتصادي القائم، إلى درجة المساهمة في إعادة إنتاج نفس القيم السلطوية التي تأسست النقابات أصلا لمناهضتها، كالإقصاء والتحكم.
واعتبر الباحثان أن هذه الوضعية تضعف قدرة النقابات على التأثير في جولات الحوار الاجتماعي، كما تعرقل تنظيم احتجاجات فعالة نتيجة تراجع دعم القواعد لمواقف القيادات النقابية.
وبمقارنة مع التجربة النقابية التونسية، خلص الباحثان إلى وجود تشابه كبير في مظاهر البيروقراطية النقابية بين المغرب وتونس، حيث تهيمن قيادات هرمة تتشبث بالمناصب، ما يؤثر سلبًا على الديمقراطية الداخلية ويُعيق تجديد الهياكل النقابية، ويعمّق الفجوة بين القيادة والقواعد.