تباينت الآراء بين خبراء البيئة حول قرار وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة بالسماح باستيراد ملايين الأطنان من النفايات المنزلية والعجلات المطاطية من أوروبا، ففي الوقت الذي اعتبر فيه بعض المتخصصين أن هذا الترخيص يُعد خطوة إيجابية نحو استغلال الموارد بشكل أكثر كفاءة وتعزيز الاستدامة البيئية عبر إعادة تدوير النفايات واستخدامها في إنتاج الطاقة، أعرب آخرون عن قلقهم من المخاطر المحتملة التي قد تترتب على استيراد كميات ضخمة من النفايات، مشيرين إلى إمكانية تأثيرها السلبي على البيئة وصحة المواطنين.
ومن جانبها عللت وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدام، استيرادها لهاته الكميات من النفايات المستوردة أن “استعمالها وتدويرها يعتبر عملية جد مربحة وغير مكلفة وصديقة للبيئة، وتضمن المحافظة على الموارد الطبيعية وتقوي الاقتصاد الأخضر والاقتصاد الدائري ببلادنا”، مشيرة إلى أنه “يتم توفير أكثر من 9500 منصب شغل مباشر وغير مباشر في الصناعات الحديدية. كما أن استعمال العجلات المطاطية الممزقة يساهم في تخفيف الفاتورة الطاقية عبر تقليص حجم العملة الصعبة الضرورية لاستيراد المحروقات بنسبة أكثر من 20 دولار عن كل طن من الوقود الأحفوري”.
النقاش الدائر بين المؤيدين والمعارضين يبرز أهمية تقييم الأثر البيئي لهذا الإجراء وكيفية ضمان توافقه مع الاستراتيجيات الوطنية للحفاظ على البيئة وصحة المواطنين.
محمد بن عبو: النفايات المستوردة مورد طاقي هام يقلل من الانبعاثات الضارة
علي شرود: استيراد العجلات المطاطية يعاكس أهداف المغرب لتحقيق الحياد الكربوني
علي شرود، باحث في الشأن الطاقي والمناخي، شدد بداية على أن “النفايات المطاطية المستوردة تبقى بدون فعالية كبيرة في إنتاج الطاقة الحرارية، فمقابل تدوير كميات كبيرة من هذه النفايات يتم إنتاج كميّات قليلة من الطاقة، بخلاف الموارد الأخرى وعلى رأسها الطاقة الشمسية”، مضيفا أنها “ذات كلفة اقتصادية منخفضة بالنسبة للمصانع”.
شرود أقرّ بأن “استيراد هذه العجلات المطاطية يضعنا أمام مفارقة؛ فهي من جهة ضرورية للمصانع المغربية التي تعتمد عليها بغرض تقليل كلفة الإنتاج. ومن جهة ثانية، فإن إعادة تدويرها من قبل هذه المصانع له انعكاسات بيئية خطيرة تتمثل في انبعاث مجموعة من الغازات السامة، في مقدمتها ثاني أوكسيد الكربون، لكون هذه الإطارات مصنعة من مشتقات البترول”.
وقال الباحث في الشأن الطاقي والمناخي إن “هذا لا يعفي السلطات الحكومية من التفكير في ضرورة إيجاد حلول بديلة لجعل تكلفة الطاقات المتجددة في متناول المصانع، عوض التشجيع على استيراد هذه العجلات؛ لأنه يبقى معاكسا لتوجه المغرب نحو الرفع من نسبة الطاقات النظيفة ضمن المزيج الطاقي إلى 52 في المئة بحلول سنة 2030، في أفق الاعتماد عليها كليا بحلول سنة 2050”.
وأكد شرود أن “الوزارة الوصية مطالبة بعدم الرجوع بالمغرب خطوات إلى الوراء في هذا الإطار، بل مواصلة السير قدما في اتجاه تشجيع اعتماد الهيدروجين الأخضر تماشيا مع المشروع الملكي [عرض المغرب]، وتنفيذا لمختلف الالتزامات الدولية التي قطعتها المملكة بالقيام بدورها في ضمان الحياد الكربوني”.
مصطفى برامل: المغاربة لا يستفيدون من إعادة تدوير العجلات المطاطية
مصطفى برامل، خبير بيئي رئيس جمعية المنارات الإيكولوجية، قال إن “توفر العجلات المطاطية المستوردة على كميات هامة من مادة الكربون يجعلها موردا مهما لإنتاج كميات هائلة من الطاقة الحرارية التي تحتاجها المصانع في أنشطتها الإنتاجية، خصوصا مصانع الإسمنت”، لافتا إلى أن “هذه العجلات تستخدم في المولدات الحرارية للمنشآت الصناعية، وبالتالي فالمغاربة لا يستفيدون لا من استخداماتها الطاقية ولا من عوائدها المادية”.
وأكد برامل، على “أهمية استخدام هذه العجلات المطاطية بالنسبة للمصانع ليست مبررا للمقامرة بآثارها المدمرة على البيئة، ومعاكسة مختلف الالتزامات الدولية التي قطعها المغرب في هذا السياق، وتحديدا توقيعه على اتفاقية باريس حول تغيرات المناخ للحد من كل مسببات هذه التغيرات وتأثيراتها السلبية”.
وأوضح رئيس جمعية المنارات الإيكولوجية أن “حرق هذه العجلات من قبل المصانع بغرض الحصول على الطاقة الحرارية، تنتج عنه انبعاثات غازية سامة ودخان أسواد يساهم في إحداث التغير المناخي بالمغرب، لكونه يمنع من انعكاس أشعة الشمس على الأرض، وبالتالي فهو أحد أسباب الاحتباس الحراري”، مضيفا أن “هذه العملية تهدد بعواقب خطيرة على صحة العاملين والساكنة المحيط بهذه المصانع، وتحديدا الإصابة بأمراض على مستوى العينين والتنفس ومختلف الأمراض السرطانية المزمنة”.
أيوب كرير : استيراد النفايات يتناقض مع أهداف التنمية المستدامة
أيوب كرير، باحث وناشط بيئي، رئيس منظمة “أوكسيجين للبيئة والصحة”، بأن استيراد المغرب النفايات من الخارج ليس أمراً جديداً، فقد سبق له أن قام بذلك خلال أعوام مضت، لكونها عملية تسهم حسب قول المسؤولين، “في إنتاج الطاقة واستعمالها في المصانع والمعامل”.
ولفت كرير إلى أنه “بعد ضجة استيراد المغرب النفايات الإيطالية عام 2016 كشفت التحقيقات والبرامج الاستقصائية الإعلامية الدولية عن أن المشكلة تكمن في طبيعة هذه النفايات التي تحاول مجموعة من الدول الكبيرة التخلص منها، إذ يتم تصديرها إلى الدول السائرة في طريق النمو، في محاولة للحرص على مقدراتها البيئية وتفادي ضغوط اللوبي البيئي في هذه البلدان الأوروبية.
وأبرز المتحدث ذاته أن “بعض النفايات المستوردة تكون سامة وتشكل خطراً داهماً على البيئة”، داعياً إلى التوقف عن استيراد هذه النفايات بالنظر إلى التزام المغرب مشروعه التنموي الجديد، الذي يجعل من احترام البيئة هدفاً اجتماعياً رائداً”.
وشدد كرير على أن “المغرب يتوافر على كميات هائلة من النفايات تجعله يصدرها إلى دول أخرى ولا يستوردها”، مكملاً بأنه “يتعين تثمين هذه النفايات واستغلالها بصورة مثلى، فالترسانة القانونية متوافرة لكنها تفتقد إجراءات على أرض الواقع لمعالجة النفايات، إذ يتم رميها بصورة عشوائية، مما يخلق وضعاً بيئياً وصحياً خطراً بل قاتلاً”.
محمد بنعطا: قلق بيئي متزايد
أعرب المهندس الزراعي والناشط البيئي محمد بنعطا عن قلقه بشأن قرار وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة الترخيص لاستيراد كميات كبيرة من النفايات المنزلية والعجلات المطاطية لإنتاج الطاقة، معتبراً إياها نفايات غير خطيرة. وأوضح بنعطا أن استخدام هذه النفايات في المغرب، إذا ما تم وفق طرق إعادة تدوير صديقة للبيئة، قد يكون مفيدًا بيئيًا واقتصاديًا واجتماعيًا. ومع ذلك، تساءل عن قدرة المغرب على إعادة تدوير ملايين الأطنان من النفايات المنزلية المستوردة، حيث أن الإمكانيات الحالية لإعادة التدوير في المغرب لا تتجاوز 10% من النفايات المحلية، بينما يُدفن الباقي في الأرض.
وأشار بنعطا إلى أن حرق العجلات المطاطية لإنتاج الطاقة، وهو إجراء مسموح به في الاتحاد الأوروبي، يشكل خطرًا على البيئة والصحة، خاصةً إذا لم يُخضع لتنظيم صارم كما هو الحال في أوروبا. وحذر من أن هذه الإجراءات قد تتناقض مع مبادئ الدستور المغربي الذي يضمن للمواطنين العيش في بيئة سليمة، وكذلك مع الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة والنصوص القانونية التي تهدف إلى حماية البيئة ودمجها في المخططات التنموية، إضافة إلى الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة والاستراتيجية الوطنية للانتقال الطاقي.
وشدد بنعطا على ضرورة البحث عن بدائل أكثر استدامة، مثل تعزيز إعادة التدوير وإعادة الاستخدام، لتفادي الأضرار البيئية والصحية المحتملة الناتجة عن استيراد النفايات والعجلات المطاطية.