تقرير إخباري| محكمة النقض ترفض النسب الأبوي للأطفال المولودين خارج إطار الزواج

أصدرت محكمة النقض المغربية قرارا برفض حق الانتساب الأبوي للأطفال المولودين خارج نطاق الزوجية، حتى لو كان هناك اختبار بيولوجي للحمض النووي يثبت ذلك.
ويؤكد هذا الحكم حكمًا سابقًا صدر عام 2020 يقضي بأن الأبناء المولودين من علاقة خارج إطار الزواج لا يحق لهم النسب الأبوي، وهو ما يسمح بخصم الآثار القانونية مثل التسجيل في الحالة المدني وحقوق التقاعد والميراث.
هذا الحكم – الذي كشف النقاب عنه أمس الجمعة – والذي يؤكد حكماً سابقاً، أصدرته المحكمة الابتدائية بطنجة عام 2017، والتي اعترفت فيه لأول مرة في المغرب ببنوة فتاة ولدت عام 2014 من علاقة خارج الزواج وأجبرت الأب على دفع النفقة.
وعلى الرغم من أن هذا الحكم صنع التاريخ في ذلك الوقت؛ بخرقه التقليد الفقهي السائد والذي لا يعترف بمثل هذه القضايا، إلا أنه تم إلغاؤه لاحقًا في محكمة الاستئناف، مما دفع الأم إلى تقديم استئناف أمام محكمة النقض، وهي المحكمة التي أكدت الفسخ ورفضت أي صلة بين الأب والفتاة المولودة من علاقة خارج نطاق الزواج.
واعتبرت أعلى محكمة بالبلاد أن العلاقة بين هؤلاء البالغين غير المتزوجين “زنا”، وبالتالي فإن “الطفل غير الشرعي”، والمولودة ليست لها صلة أبوية مع الأب “حتى لو تم إثبات علاقة بيولوجية” بين الاثنين.
و”تعتبر الفتاة غريبة عن الشخص المحكوم عليه (الأب البيولوجي) ولا يحق لها الحصول على أي تعويض لأنها نتيجة فعل غير شرعي شاركت فيه والدتها”، كما ورد في الحكم، الذي أشار إلى أن الطفل المولود من الزنا هو مرتبط فقط بأمه.
ولا يكون لاختبارات الحمض النووي البيولوجي (ADN)؛ سوى آثار قانونية في حالة وجود علاقة زوجية، حتى لو كانت في ما يسمى بالزيجات التقليدية، والتي تتم فقط بقراءة القرآن وحضور الشهود، وهي شائعة نسبيًا في الاوساط التقليدية.

اللامرئيون

هذا الحكم يعمق جراح الآلاف من النساء اللواتي أصبحن بين عشية وضحاها أمهات عازبات، بينهن من تشردت وطردت من منزل عائلاتها، ومن نبذن من قبل الأصدقاء والجيران وزملاء العمل.
وفي المغرب، يجرم القانون الجنائي العلاقات خارج الزواج، ويحتقر المجتمع أطفالهن وينعتهم بأقبح النعوت “ولاد لحرام”، (أبناء الزنى)، باللهجة المغربية، وهذا هو النعت الدارج، لـ”أطفال الخطيئة”، كما تجيد العربية النعت.
ولا تزال المادة 490 من القانون الجنائي المغربي، التي تنص على عقوبة بالسجن لمدة سنة واحدة لمن يمارسون الجنس خارج إطار الزواج سارية.
وليس لحزب العدالة والتنمية، الحزب الإسلامي الحاكم بالبلاد، نية لتغييره، والمعارضة لا تكافح من أجل إلغائه أيضا، كما يقول نشاط حقوق الإنسان، مضيفين أنها قضية ليست على جدول أعمال أي شخص، اللهم بعض الحقوقيين، وثلةٌ من التقدميين بالمغرب.
ويقول المحامي، خالد الإدريسي، لـ”بلبريس”، “لا تتمتع الأمهات العازبات وأبنائهن بالحماية القانونية الكافية في القانون المغربي، سواء في إطار القوانين المدنية ولا سيما مدونة الأسرة أو في إطار القانون الجنائي”.
ويعتبر الإدريسي أن المقتضيات المتعلقة بالنسب “لا تنطبق على هذه الحالات لأن الشروط الشرعية غير متوفرة، رغم سبقية وجود سابقة قضائية حاولت إضفاء طابع الشرعية على هذا الاشكال في محكمة قضاء الأسرة بطنجة، إلا أنه للأسف تم الغاء هذا التوجه بعد الطعن فيه”.
ويعتقد الدكتور الإدريسي، في حديثه لـ”بلبريس” أنه “ربما الضمانة الوحيدة التي للأم العازبة وابنها هي اللجوء إلى قواعد المسؤولية التقصيرية من أجل مطالبة الأب المفترض بالتعويض عن الخطأ الذي قام به، وتسبب في حمل غير مشروع وغير مرغوب”.
ويضيف “كما أنه على المستوى الجنائي في غير الحالات التي تعتبر فيها الأم العازبة ضحية، كما هو الحال في حالة الاغتصاب، فإنه في بعض الأحيان قد تتابع لارتكابها لجرائم الفساد أو المشاركة في الخيانة الزوجية، وهو ما يجعل الإطار القانوني غير متطور من أجل إضفاء الحماية اللازمة للأم العازبة وأبنائها”.
ويشدد الإدريسي على أنه من “الواجب القيام بتعديل تشريعي من أجل شرعنة وضعيتهما، كما أنه على القضاء تحمل مسؤوليته نحو المزيد من الجرأة من أجل الإعتراف بهذه الحالات”.

معاناة مضاعفة

هناك العديد من النساء اللواتي يخاطرن للعيش في مهمة صعبة، وهي أن تكون من الأمهات العازبات، ويواجه هؤلاء النسوة وأبناؤهن عقبات مختلفة، بما في ذلك الحكم عليهم بشدة من المجتمع إلى الحد الأكبر بسبب قرارهن.
وأكد محسن بنزاكور، أستاذ متخصص في علم النفس الاجتماعي، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية الجديدة، لـ”بلبريس”، على أن “نفسية ما تعيشه الأم العازبة التي لا تزال في وضعية قانونية غير معترف بها؛ تنعكس على نفسية الطفل، من خلال الإقصاء والرفض الاجتماعي الذي يواجه الأم”.
ويرى الدكتور بنزاكور، أن “الفترة الأولى من الطفولة حساسة في بناء الشخصية، خصوصا وأن الجانب المعرفي والإدراكي لدى الطفل ضعيف جدا، ويحتاج إلى الاستقرار النفسي، والعطف والحنان، والطمأنينة والأمان، وهذا أول ما يضرب في الحياة الشخصية لهذا الطفل التي هي في طور البناء”.
وأضاف، أنه في الفترة الدراسية “يواجه هؤلاء الأطفال، عزلا وعدم قبولٍ من طرف زملائه بسبب الرفض الذي تواجهه أمه، فيتعرض الطفل لضغوط نفسية من خلال أوصاف (ولد الحرام، ابن العاهرة)، والتي تكرس لديه الإيمان أنه مهمش اجتماعيا، وبالتالي احتمال انحرافه”.
واعتبر بنزاكور في تصريحه لـ”بلبريس”، أن “معاناة طفل الأم العازبة مضاعفة، بحيث يحاول التأقلم مع مجتمعٍ يرفضه، ويحاول التأقلم مع ذاته لقبول هذا الرفض، ويقبل أن يجد على نفسه حلولا خاصة به لكي يتسلق سلم المجتمع الذي ينتمي إليه، بحيث عليه أن يتفوق في الدراسة وينجح اجتماعيا ويُقبل مجتمعيا، وتلك مسألة ليست سهلة، وهنالك أطفال ليست لهم هذه القوة، وحتى المؤسسات لا تنجح في كسر تلك الصورة النمطية عنهم، فكلمة ادماج ليست مصطلحا براقاً، ولذا فكل الظروف تهيؤهم للانحراف، والإجرام والمرض النفسي”.
وأشار بنزاكور إلى ضرورة انتباه المجتمع لهؤلاء الأطفال وعدم رفضهم، لأنهم، “لم يختاروا المجيء إلى هذا العالم، ولم يختاروا آبائهم ولا أمهاتهم، بقدر ما اختارهم المجتمع وجعل منهم شيئا مرفوضا”.
وخلص عالم النفس الاجتماعي، إلى أنه “سواء شاء أم لم يشأ هذا المجتمع، فهم مواطنين، ويجب معاملتهم كمواطنين كاملي المواطنة، وعدم التكريس لانحرافهم، لا سيما أن أعدادهم كبيرة، ولا يمكن تحميلهم فاتورة غيرهم، وعلى المؤسسات والمثقفين والنشطاء والإعلام القيام بدورهم لإدماج هذه الفئة داخل المجتمع”.

ازدواجية المجتمع وتشدد السلطات

في المغرب، كل شيء مرتبط بشكل جوهري بالدين والمجتمع، “حشومة” (عار) أن تفقد الفتاة عذريتها قبل الزواج، حرام هو الوشم، وحرام كذلك الإجهاض، كل شيء يحرم علانية ويمارس بالتواري في الخفاء.
من جهتها ترى نزهة الصقلي، الوزيرة السابقة للأسرة والتضامن والمرأة والتنمية الاجتماعية، إن الحكومة المغربية تبرر رفضها لتوصيات المجلس الوطني لحقوق الانسان بجنيف، “بقضية ثوابت الأمة حتى لو كان هذا الرفض يمس بحقوق الاطفال والنساء”.
وأضافت الصقلي في تصريح لـ”بلبريس” أن السلطات “تتفاعل بسرعة مع الشكايات المرتبطة بالبالغين الذين يمارسون الحب، والعلاقات الجنسية الرضائية”، لكنها بالمقابل “تتساهل مع تزويج القاصرات”.
وأكدت، على أن المجتمع “يمارس نوعا من الازدواجية فهو يمنع العلاقات الجنسية على النساء وليس على الرجال”، متسائلة “هل هذا منطقي؟”.
وزادت قائلةً، “نفس الأمر بالنسبة للطبقات الاجتماعية، فالأغنياء لا يجدون صعوبات في إشباع رغباتهم الجنسية عكس الفقراء”.
الحكم الذي صدر عن ابتدائية طنجة، كان ضوءًا يلوح من عتمة النفق، قبل أن يطمسه الحكم الأخير، ويبدو أن الطريق لتغيير “القوانين التمييزية والظالمة” -كما يراها كثيرون-، فيما يتعلق بالأمهات العازبات طويل وشاق في المغرب، على الأقل من أجل ملاءمة قوانينه التشريعية، مع الإتفاقيات الدولية التي انضم إليها، والمتعلقة بحماية كل الأطفال، وضمنهم الأطفال المولودين خارج إطار الزواج.

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *