أثار تشبت الحكومة ووزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بقرار تسقيف سن الولوج إلى مهنة التدريس في 30 عامًا جدلاً واسعًا في الأوساط السياسية والتعليمية.
فبينما تدافع الوزارة عن هذا الخيار بدعوى تحسين جودة التعليم وتفعيل المنظومة، يرى معارضون أن هذه المبررات واهية وغير قانونية، وأنها تقوض مبدأ تكافؤ الفرص وتتجاهل الخبرات المتراكمة لدى الكفاءات الأكبر سنًا.
تبريرات الوزارة وموقف البرلمانيين المعارضين:
أوضح وزير التربية الوطنية، محمد سعد برادة، في جلسة امس أن تحديد سن الثلاثين يعود إلى رغبة الوزارة في تجويد المنظومة التعليمية وتحفيزها لتحقيق أفضل النتائج. واستند الوزير في تبريراته إلى إحصائيات تشير إلى أن أغلبية الناجحين في مباريات الولوج إلى المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين هم من الفئة العمرية الأصغر (أقل من 28 سنة)، وأن نسبة المرشحين الذين تتراوح أعمارهم بين 29 و30 سنة لا تتعدى 4%. كما شدد الوزير على أن الأولوية هي مصلحة التلميذ، وأنه يجب منحه أفضل أستاذ ممكن.
في المقابل، اعتبر نواب برلمانيون من المعارضة، وعلى رأسهم أحمد العبادي عن فريق التقدم والاشتراكية ومليكة الزخنيني عن الفريق الاشتراكي، أن تبريرات الوزير غير مقنعة ولا تستند إلى أسس قانونية أو منطقية. فقد أكد العبادي أن قرار التسقيف يضرب في الصميم مبدأ المساواة في الولوج إلى الوظيفة العمومية، ويتنافى مع النظام الأساسي للوظيفة العمومية، كما يخالف الأنظمة الخاصة بأطر الأكاديميات التي حددت السن بين 18 و40 سنة.
كما لفت العبادي إلى أن هذا القرار يتناقض مع الواقع الاجتماعي في ظل ارتفاع معدلات البطالة وتزايد سنوات البحث عن العمل بالنسبة للخريجين، متسائلاً عن البديل الذي تقترحه الحكومة للشباب الذين تجاوزوا سن 30 سنة. من جهتها، تساءلت الزخنيني عن العلاقة بين جودة التعليم وعمر المدرس، مشيرة إلى أن الإحصائيات أثبتت أن معيار السن غير موضوعي، ولا يمكن استخدامه لحرمان فئات عمرية أخرى من حقها في ولوج الوظيفة العمومية.
يكشف هذا الجدل الدائر حول تسقيف سن الولوج إلى مهنة التدريس عن تباين في الرؤى بين الحكومة والمعارضة حول كيفية إصلاح المنظومة التعليمية. فبينما تركز الحكومة على عامل السن كمعيار للجودة، يرى المعارضون أن الخبرة والكفاءة هما الأساس في اختيار المدرسين الأكفاء. كما يثير هذا القرار تساؤلات حول مدى جدية الحكومة في معالجة مشكلة البطالة، خاصة وأنها تحرم شريحة واسعة من الشباب الخريجين من فرصة التوظيف في القطاع العام.
لماذا تصر الحكومة على التسقيف؟
قد تكون الحكومة مدفوعة بعدة عوامل لاتخاذ هذا القرار، من بينها:
الرغبة في تجديد أطر التدريس: قد ترى الحكومة أن ضخ دماء جديدة في قطاع التعليم من خلال توظيف الشباب سيساهم في تحسين الأداء وتطوير المناهج.
توفير التكاليف: قد يكون توظيف الشباب الأقل أقدمية أقل تكلفة على الميزانية العامة مقارنة بتوظيف الأكبر سنًا الذين قد يكونون على درجات أعلى.
الحد من الاحتجاجات: قد ترى الحكومة أن توظيف أعداد كبيرة من الخريجين الشباب سيخفف من حدة الاحتجاجات المطالبة بالتوظيف.
تجاهل الخبرات التربوية:
يثير قرار الحكومة أيضًا تساؤلات حول مدى استعانة الوزارة بالخبرات التربوية المتراكمة. فمن المعروف أن هناك العديد من الخبراء التربويين والأكاديميين من ذوي الخبرات الطويلة والأعمار التي تتجاوز الأربعين عامًا، ولديهم القدرة على تقديم قيمة مضافة للمنظومة التعليمية. وتجاهل هذه الخبرات قد يؤدي إلى حرمان التلاميذ من الاستفادة من كفاءات عالية.
في ظل هذه المعطيات، يبدو أن الحكومة تسعى إلى تحقيق أهداف قصيرة الأجل من خلال تسقيف سن الولوج إلى مهنة التدريس، دون أن تأخذ في الاعتبار التداعيات السلبية لهذا القرار على المدى البعيد، خاصة فيما يتعلق بتكافؤ الفرص والاستفادة من الكفاءات المتراكمة. وفي الوقت نفسه، تعترف الوزارة بوجود تحديات كبيرة في المنظومة التعليمية، حيث أقرت بأن تلاميذ المرحلة الابتدائية لا يجيدون الحساب واللغات. هذا التناقض يطرح تساؤلات حول جدية الإصلاحات المقترحة وفعاليتها.