في الوقت الذي تجنّب فيه المغرب فرض رسوم جمركية أمريكية مشددة، خلافًا لما طال الجزائر وتونس، تُطرح تساؤلات متزايدة حول الثمن الاقتصادي الذي تدفعه الرباط مقابل “الخصوصية” التي تربطها بواشنطن، خصوصًا في ظل تفاقم العجز التجاري بين البلدين رغم مرور ما يقارب عقدين على توقيع اتفاق التبادل الحر.
ففي إطار ما سُمي بـ”يوم التحرير التجاري”، فرضت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (في ولايته الثانية) رسوما جمركية جديدة على عدد من شركائها، بلغت 30 في المائة على الجزائر و25 في المائة على تونس، في حين حافظ المغرب على نسبة 10 في المائة فقط، استنادًا إلى اتفاق التبادل الحر الموقع سنة 2006، والذي ظل لفترة طويلة يُقدَّم كإنجاز دبلوماسي نادر لبلد إفريقي.
ورغم الطابع التفضيلي الذي يحمله الاتفاق، إلا أن المؤشرات الاقتصادية تكشف عن واقع مختلف، فقد تضاعف حجم المبادلات بين الرباط وواشنطن من 1,3 مليار دولار سنة 2006 إلى 7,2 مليارات دولار سنة 2024، إلا أن هذا التطور لم يكن في صالح الاقتصاد المغربي، إذ أن الصادرات الأمريكية نحو المملكة ارتفعت بوتيرة أسرع بكثير من الصادرات المغربية إلى الولايات المتحدة، ما أدى إلى تفاقم العجز التجاري إلى حدود 3,4 مليارات دولار في سنة واحدة فقط، أي ما يعادل 3 في المائة من الناتج الداخلي الخام.
هذا الوضع، الذي وصفه مراقبون بـ”الهيموراجيا التجارية”، يُفسَّر بضعف قدرة المغرب على ولوج السوق الأمريكية بسبب الحواجز غير الجمركية، والمعايير الفيتوصحية المعقدة، فضلاً عن منافسة آسيوية شرسة، جعلت القطاعات المغربية المستهدفة من الاتفاق، مثل النسيج والصناعات الغذائية والمكونات الإلكترونية، عاجزة عن تحقيق اختراق حقيقي.
في المقابل، تستفيد المنتجات الأمريكية من ولوج شبه حر إلى السوق المغربية، من الحبوب والمعدات الصناعية إلى التكنولوجيا والبرمجيات، مما عزز وضعية المغرب كسوق استهلاكية مفتوحة وعزز التبعية التجارية لاقتصاد يُفترض به أن يسعى إلى التوازن لا الاستهلاك.
وإذا كانت الجزائر، رغم الرسوم، لا تزال تحقق فائضًا تجاريًا بفضل تصدير المحروقات غير المشمولة بالضرائب، فإن المغرب يجد نفسه في موقع المتضرر الوحيد، دون امتيازات قطاعية تحميه من تداعيات الاختلالات المزمنة في الميزان التجاري.
الأكثر من ذلك، لم تشهد بنود الاتفاق منذ توقيعه أي مراجعة أو نقاش عمومي حقيقي، كما لم تبادر أي حكومة مغربية متعاقبة إلى تقييم موضوعي لمخرجاته، وهو ما يطرح تساؤلات حول قدرة صانع القرار على تجاوز الطابع الرمزي للعلاقة مع واشنطن، واعتماد مقاربة سيادية تحمي المصالح الاستراتيجية للبلاد.
في ظل هذه المعطيات، تراهن الحكومة المغربية اليوم على قطاع صناعة السيارات، وتحديدًا عبر إعلان شركة “تسلا” الأمريكية عن نية الاستثمار في المغرب، كمدخل لإعادة التوازن في المبادلات الثنائية، غير أن هذا الرهان يبقى محفوفًا بالمخاطر، في ظل المنافسة الأوروبية والآسيوية، والحاجة إلى بنية تحتية صناعية وتصديرية أكثر نجاعة.