في خطوة مثيرة للجدل، وتُقرأ على كونها حملة انتخابية سابقة لأوانها على غرار مكوّنات الأغلبية والمعارضة، حل محمد نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، ضيفاً على مناطق الهامش التي تعرف احتجاجات اجتماعية متصاعدة، أبرزها آيت بوكماز بإقليم أزيلال وبني تدجيت التابعة لفكيك.
زيارتان أثارتا الجدل، بين من يراها تعبيراً عن إنصات سياسي متأخر لهموم المواطن، ومن يعتبرها محاولة لاستثمار الغضب الشعبي لأهداف انتخابية قبيل الاستحقاقات المقبلة سنة 2026.
في آيت بوكماز، المنطقة التي فجرت مسيرة الكرامة ورفعت شعار التمرد على الإقصاء، وجد بنعبد الله نفسه وسط سيل من الانتقادات.
فاللقاء الذي جمعه برئيس الجماعة وبعض ممثلي الساكنة بدا، في نظر كثيرين، أقرب إلى عرض انتخابي منه إلى مبادرة إنصات حقيقية، خاصة مع كثرة الشعارات المألوفة عن التنمية والعدالة المجالية، دون أي التزام ملموس أو خطة عملية واضحة.
وتأتي هذه الزيارة عقب احتجاجات غير مسبوقة شهدتها المنطقة، حيث قطع المواطنون عشرات الكيلومترات في مسيرة نحو عمالة أزيلال، رافعين مطالب تتعلق بالخدمات الأساسية، من طرق متهالكة إلى غياب التغطية الصحية وتردي البنية التحتية، وصولاً إلى انعدام التغطية الهاتفية، وهو الواقع الذي دفع مراقبين إلى اعتبار الزيارة محاولة لترميم صورة الأحزاب التي غابت طويلاً عن مناطق الهامش، ولا تعود إليها إلا عند اقتراب المواعيد الانتخابية.
في السياق ذاته، وفي منطقة تبعد عن أيت بوكماز بـ855 كيلومتر، حرص بنعبد الله على تنظيم لقاء جماهيري بمدينة بني تدجيت، بإقليم فكيك، حيث صعّد لهجته تجاه الحكومة، موجهاً انتقادات حادة للسياسات العمومية التي وصفها بأنها تكرس التفاوتات المجالية وتُقصي جهات بأكملها من الدينامية التنموية التي تعرفها مدن كبرى مثل الدار البيضاء ومراكش وطنجة.
وفي الوقت الذي نوه فيه بالالتفاف الشعبي حول حزبه، لم يتردد في التعبير عن استغرابه من غياب الاستثمارات والبنيات الأساسية في مناطق مثل فكيك وتنغير وزاكورة.
ولم تخلُ كلمته من إشارات سياسية مباشرة إلى ما وصفه بالتمييز المجالي، متسائلاً عن جدوى تخصيص ملايير الدراهم لتحضير مدن كأس العالم 2030، في حين لا تصل أدنى الخدمات إلى قرى بكاملها في الجنوب الشرقي.
كما هاجم تدبير الحكومة لملف الفلاحة والجفاف، متهماً إياها بإهمال الكسابة الصغار رغم قرار إلغاء الأضحية هذه السنة، ومؤكداً أن الدعم الفلاحي لا يصل إلى المعنيين الحقيقيين، بل يُوجه إلى فئة قليلة مرتبطة بمراكز النفوذ.
بنعبد الله لم يفوت الفرصة لمهاجمة أداء الحكومة في ملف الشغل، مستعرضاً أرقام البطالة المتزايدة، ومذكّراً بوعد حكومي سابق بخلق مليون منصب شغل، لم يُثمر سوى عن فقدان 160 ألف منصب خلال السنوات الأربع الأخيرة، على حد قوله.
في العمق، تطرح هذه التحركات السياسية أسئلة جوهرية حول الحدود الفاصلة بين الفعل السياسي النبيل والتوظيف الانتخابي للغضب الشعبي، علما أن معاناة الساكنة في فكيك مع الماء كانت منذ سنوات دون تحرك من المسؤول الحكومي السابق، ولا رفيقته في الحزب شرفات أفيلال، وأيضا في ما يخص ايت بوكماز، إذ أنه عايش المعاناة عندما كان حزبه في الأغلبية دون أن يحركا ساكنا ولا يتدخل من أجل حل إشكاليات الساكنة.
فبين الخطاب النضالي الذي تبناه الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، والتوقيت الحساس الذي اختاره لزيارة مناطق الاحتجاج، يتجدد النقاش حول صدقية الالتزامات الحزبية تجاه المغرب العميق، خاصة في ظل سياق اجتماعي هش، وثقة متآكلة في العمل الحزبي والمؤسساتي، وعن ما إذا كانت هناك فعلية للتضامن أم أن السياق الانتخابي يفرض على الشيوعيين المغاربة الخروج عند المحتجين.
هذا ويتساءل مراقبون “ما إذا كانت هذه الجولات تمثل فعلاً بداية تحول في العلاقة بين الأحزاب وسكان الهامش، أم أنها مجرد محاولة لالتقاط الصور وسط رماد الغضب الشعبي المتصاعد، وتجاهل حكومي، ومحاولة استغلال المعارضة هذه الاحتجاجات من أجل مآرب انتخابية ضيقة؟”