بالعودة من صلاة عيد الأضحى، صباح السبت 7 يونيو 2025، لا شيء في المشهد يُشبه العيد.
الشوارع هادئة، المارة يسيرون بخطى بطيئة نحو بيوتهم، لا رائحة لشواء، لا صوت لثغاء الأغنام، ولا دخان فحم يتسلل من الأسطح. هي عودة تشبه صباح يوم عادي، في مدينة خلت من طقوس لطالما كانت لصيقة بالذاكرة الجماعية للمغاربة.
فراغٌ غير مألوف خيّم على الأزقة، غابت مشاهد الذبح والجلود المعلقة، واختفى ضجيج الشباب حول رؤوس الأضاحي، وحتى عمال النظافة الذين اعتادوا أن يستنفروا في مثل هذا اليوم، تنفسوا صباحهم بهدوء نادر. إنها أول مرة منذ عام 1996 يُلغى فيها عيد الأضحى بالمملكة، والجيل الذي لم يعش تلك المرحلة بات اليوم كهلاً، بينما الجيل الجديد يكتشف وجهاً مختلفاً للعيد، يخلو من الأضاحي، لكنه لا يخلو من المعاني.
فالعيد، على الرغم من غياب شعيرته المركزية، لم يُمحَ من الوجدان. في المساجد، توافد المصلون لأداء صلاة العيد والاستماع إلى خطب استحضرت المعاني الدينية والسياقات السياسية والإنسانية، أبرزها الدعم المتواصل لغزة التي لم تغب عن ذاكرة المغاربة، ولا عن صلواتهم.
ورغم غياب الأكباش، لم تغب الروابط العائلية. تزايدت الزيارات، وسافر كثيرون إلى مدنهم الأصلية. آخرون حاولوا تعويض الغياب بالاحتفال في أجواء بديلة، عبر حفلات شواء ولائم أسرية، مستعينين بما توفر من لحوم وخضر وتوابل، في محاولة لجعل الأيام الثلاثة شبيهة قدر الإمكان بما عهدوه من قبل.
أما على المستوى الرسمي، فقد تولى الملك محمد السادس شعيرة الذبح عن شعبه، بصفته أميرًا للمؤمنين، حيث ظهر في مدينة تطوان مرتديًا الجلباب المغربي التقليدي، وهو يذبح أضحية العيد وسط خدم القصر. وقد سبق له أن وجه، في فبراير الماضي، رسالة سامية إلى الأمة، دعا فيها إلى عدم إقامة شعيرة الأضحية هذا العام، تأسيسًا على قاعدة رفع الحرج، واستحضارًا للضوابط الشرعية التي تجعل من العيد سنة مؤكدة لا واجبًا ملزمًا في ظروف العسر.
وقد جاء في رسالته الملكية: “نهيب بشعبنا العزيز إلى عدم القيام بشعيرة أضحية العيد لهذه السنة، لما تقتضيه المصلحة العامة، واستحضارًا لما تواجهه بلادنا من تحديات مناخية واقتصادية، أدت إلى تراجع كبير في أعداد الماشية.”
القرار، الذي التزم به معظم المواطنين، لم يخلُ من الجدل، خاصة مع اعتماد السلطات لمقاربة أمنية مشددة لمنع بيع الأضاحي، في مقابل تسجيل إقبال مرتفع على شراء اللحوم. مفارقة رأى فيها البعض تناقضاً، بينما اعتبرها آخرون محاولة لتدارك الغياب الرمزي للأضحية.
ومع اختفاء المظاهر المعتادة، انقرضت مهن موسمية كاملة، من “فنادق الخرفان” إلى باعة الفحم ومسني السكاكين، ليبقى العيد هذا العام، عيدًا بلا طقوس، لكنه ليس بلا روح. إذ تحوّل الامتناع عن الذبح إلى فعل رمزي آخر، تضحية جماعية بمعالم العيد، لصالح التضامن الوطني، وتجاوز آثار الجفاف، وتغليب المصلحة على العادة.
في النهاية، لا تُقاس الأعياد فقط بما نذبح، بل أيضًا بما نحافظ عليه من روابط، وبما نُقدمه من تضحيات معنوية. وقد تكون سنة 2025، رغم قسوتها، واحدة من أقوى سنوات العيد في دلالتها، حيث قدم المغاربة مثالًا نادراً على الامتثال الطوعي لما تقتضيه الظروف، دون أن يتنازلوا عن فرحتهم ولا عن صلة رحمهم، ولا عن صمودهم الرمزي في وجه الجفاف… والحياة.