استمرار تصدير الماء .. “نجاح اقتصادي” ظاهري ووجه خفي للأزمة

رغم التحذيرات المتكررة من تفاقم أزمة المياه في المغرب، واستمرار سنوات الجفاف المتتالية، يواصل المغرب تعزيز صادراته من الزراعات الأكثر استنزافا للماء، في مقدمتها الخيار والأفوكادو.

ففي الوقت الذي يعاني فيه ملايين المواطنين من شحّ مياه الشرب ويواجه الفلاحون الصغار تراجعا حادا في قدرتهم على الإنتاج بفعل تراجع الموارد المائية، تصدر البلاد آلاف الأطنان من منتجات تستنزف المياه الجوفية والمياه السقوية النادرة.

شح المياه وارتفاع صادراته

وتكشف الأرقام الصادرة عن منصة “EastFruit” المتخصصة، أن المغرب حقق رقما قياسيا في تصدير الخيار، حيث بلغ حجم الصادرات خلال الأشهر العشرة الأولى من الموسم التسويقي 2024-2025 نحو 27.7 ألف طن، بقيمة فاقت 26 مليون دولار. وتتم عمليات التصدير على مدار السنة، وتبلغ ذروتها في الأشهر الباردة، أي بين نونبر ومارس، حيث بلغت أعلى كمية شهرية في يناير وحده 5.9 آلاف طن.

الوجهة الأولى لهذه الصادرات هي إسبانيا التي استأثرت بـ 57% من الإجمالي، تليها بريطانيا ثم البرتغال، فيما تظل الأسواق الأخرى كإيطاليا وهولندا وموريتانيا أقل حجما، لكنها تفتح آفاقا لتوسيع قاعدة التصدير.

إخفاء الوجه الاخر من الأزمة

غير أن هذا النجاح التجاري الظاهري يخفي وجها آخر للأزمة، يتمثل في أن هذه الزراعات البستانية – رغم مردوديتها المالية – تعتبر من أكثر الزراعات استنزافا للماء. وبالنظر إلى معطيات البحث الوطني حول استعمال المياه، فإن الزراعة تستهلك حوالي 87.8% من الموارد المائية بالمغرب، علما أن 19% فقط من الأراضي الصالحة للزراعة هي التي تستفيد من الري، في حين تظل الأغلبية الساحقة رهينة للتساقطات المطرية، التي لم تعد مضمونة في سياق التغير المناخي.

ومما يزيد الطين بلة حسب مراقبين، أن الخيار ليس وحده من يساهم في هذا النزيف المائي، فزراعة الأفوكادو، والتي شهدت أيضا قفزة في صادراتها، تتطلب كميات هائلة من الماء، تفوق في كثير من الحالات نظيرتها في البطيخ الأحمر أو الفواكه الموسمية الأخرى. ففي الفترة نفسها (يوليوز 2024 – يونيو 2025)، صدّر المغرب ما يفوق 1.18 ألف طن من الأفوكادو إلى كندا، في تحول مثير بالنظر إلى أن صادراته سابقا لم تكن تتجاوز 70 طنا في الموسم.

ويعزى هذا الارتفاع إلى تراجع الإنتاج في المكسيك، المورد الرئيسي لكندا، بسبب فيضانات صيف 2024، فضلا عن التهديدات الجمركية الأمريكية، ما فتح المجال أمام المغرب لتعويض جزء من النقص. وفي يناير فقط، صدّر المغرب 409 أطنان إلى كندا، محتلا المرتبة الثانية بعد المكسيك، قبل أن يتراجع إلى المرتبة الثالثة في فبراير ومارس بعد كولومبيا.

 

دراسة تكشف المستور

غير أن هذه الأرقام، رغم جاذبيتها من منظور اقتصادي، تطرح تساؤلات جوهرية حول العدالة المائية، وتوجهات السياسة الفلاحية التي تنتهجها البلاد. فقد خلصت ورقة بحثية حديثة صادرة عن مبادرة “الإصلاح العربي” أعدها الباحث زكرياء الإبراهيمي، إلى أن هذه الطفرة في صادرات المنتجات الفلاحية ترتكز في جزء كبير منها على تصريف الماء المغربي نحو الخارج، من خلال تركيز الزراعات الموجهة للتصدير في مناطق سقوية تسيطر عليها النخب الفلاحية والشركات الكبرى، التي تستفيد من دعم الدولة ومن البنيات التحتية العمومية.

وتوضح الورقة أن المغرب، بدل أن يركز على زراعات معززة للأمن الغذائي والسيادة الغذائية، أصبح رهينا بزراعات استهلاكية غير ضرورية تستنزف الماء دون أن تعود بالفائدة على المواطن المغربي. ففي الوقت الذي تتضاعف فيه صادرات الخيار والأفوكادو والجزر، يضطر المغرب إلى استيراد كميات متزايدة من الحبوب والقطاني، التي تعتبر أساس الاستهلاك اليومي للمغاربة.

وتنبه الدراسة إلى أن هذه المفارقة تكرّس اللاعدالة الاجتماعية والمجالية، وتخلق فجوة بين فلاحين صغار يعانون من شح المياه ولا يجدون ما يسقون به أراضيهم، ونخب فلاحية تستفيد من الماء المدعوم لتصدير “ماء مغربي” إلى الأسواق الأوروبية والكندية في شكل أفوكادو وخيار.

 

تسليع الماء 

وأمام التوصيات السابقة للجنة النموذج التنموي الجديد، التي توصي بالرفع من تسعيرة الماء وإخضاعه لمنطق السوق، يزداد الخوف من أن يتحول الماء، الذي يضمنه الدستور كمورد عمومي وحق إنساني، إلى سلعة لا يقدر الفقراء على اقتنائها.

الباحث نفسه يدعو في دراسته إلى فرض ضرائب على الزراعات المستنزفة للماء، خاصة في المناطق الجافة، ومنع زراعتها في الأماكن المعرضة للعطش، مثل البطيخ الأحمر والأفوكادو، وإعادة النظر في النموذج الفلاحي القائم على التصدير، وتعزيز الزراعات المحلية القادرة على تحقيق اكتفاء ذاتي للسكان.

كما أوصى بتسقيف حفر الآبار، ومراقبة استهلاك المياه في المناطق الهشة، واللجوء إلى إعادة استخدام المياه العادمة بعد معالجتها في سقي المساحات الخضراء، عوض استنزاف مياه الشرب، مع اعتماد خرائط اجتماعية عادلة لتسعير الماء المحلّى.

 

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *