في تحول غير مسبوق لمسار دبلوماسي رفيع، بات كزافييه دريانكور، السفير الفرنسي السابق لدى الجزائر، أحد أبرز الأصوات التي تُؤطر اليوم مواقف اليمين واليمين المتطرف في فرنسا إزاء العلاقات مع الجزائر، وفق تقرير لمجلة جون أفريك.
وبعد سنوات من الخدمة الدبلوماسية، اختار دريانكور أن يتحدث بصوت عالٍ وصريح، مثيراً جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والإعلامية.
السفير السابق، الذي شغل هذا المنصب مرتين (2008-2012 و2017-2020)، اكتسب خبرة عميقة في كواليس النظام الجزائري ومفاتيح العلاقة بين باريس والجزائر، وهو ما جعله، بعد تقاعده عام 2022، يتحول إلى مرجع سياسي وفكري مؤثر، خاصة في دوائر اليمين الفرنسي. ويُتابَع دريانكور اليوم بكثير من الاهتمام على المنابر الإعلامية وفي المؤتمرات السياسية، من قبل شخصيات تمتد من رئيس الوزراء السابق إدوارد فيليب إلى مارين لوبان، مروراً بإيريك سيوتي وغابرييل أتال وبرونو ريطايو.
غير أن هذا الحضور اللافت لم يمر دون رد فعل رسمي. ففي تصريح مثير، وصف وزير الخارجية الفرنسي جان-نويل بارو، دريانكور بأنه “لم يعد دبلوماسياً، بل أصبح ناطقاً باسم اليمين المتطرف”. اتهامٌ رد عليه الأخير بالنفي، مؤكداً استقلالية مواقفه، رغم أنها تثير امتعاضاً متزايداً داخل قصر الإليزيه ووزارة الخارجية.
ويبدو أن المنعطف الأهم في خطاب دريانكور تجلّى في مؤلفيه الأخيرين. ففي كتابه الأول “اللغز الجزائري”، عبّر السفير السابق بنبرة نقدية عن تعقيدات العلاقة الثنائية، وأنهى كتابه بعبارة لافتة: “الجزائريون لا يفهمون إلا ميزان القوى”. عبارة تحولت إلى مفتاح فهم تطور خطابه لاحقاً.
أما في كتابه الصادر في أبريل 2025 “فرنسا – الجزائر: العمى المزدوج”، فقد ذهب أبعد من مجرد التحليل، وطرح ما يشبه خارطة طريق لإعادة تشكيل العلاقة مع الجزائر بمنطق الصدام. من أبرز مقترحاته:
- تقليص عدد التأشيرات الممنوحة للجزائريين إلى النصف.
- تعديل اتفاقية شنغن لعرقلة دخول الجزائريين إلى فرنسا عبر دول أوروبية أخرى.
- إلغاء الإعفاءات الممنوحة لحاملي الجوازات الدبلوماسية الجزائرية.
- اتخاذ إجراءات ضد الخطوط الجوية الجزائرية لرفضها ترحيل رعاياها.
- فرض قيود على حركة الدبلوماسيين الجزائريين في فرنسا.
- إغلاق عدد من القنصليات الجزائرية الـ18 على التراب الفرنسي.
- استخدام النفوذ الفرنسي لعرقلة مراجعة اتفاقية الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي.
- منع أبناء النخبة الجزائرية من الالتحاق بالمؤسسات التعليمية الفرنسية في الجزائر.
وبلهجة أكثر حدّة، دعا دريانكور إلى إلغاء اتفاقية 1968 التي تنظم إقامة الجزائريين في فرنسا، بل واقترح التحقيق في ممتلكات المسؤولين الجزائريين داخل التراب الفرنسي.
مواقف وصفها التقرير بـ”الراديكالية”، تفوقت أحياناً على خطابات وجوه اليمين المتطرف المعروفة. وهي تعكس ـ بحسب مراقبين ـ تصاعد تأثير التيار المحافظ داخل فرنسا في ظل تدهور العلاقة التاريخية مع الجزائر، التي دخلت في أسوأ فتراتها منذ استقلالها سنة 1962.
التحول اللافت في مواقف دريانكور، وما أصبح يُمثله من مرجعية لليمين المتشدد، يعيد طرح أسئلة حرجة حول مستقبل العلاقة الفرنسية الجزائرية، في ظل اتساع الهوة السياسية، وتقلص مساحات الحوار، وتزايد الدعوات لإعادة تشكيل العلاقات على قاعدة “ميزان القوى”، لا المصالح المتبادلة.