هكذا تستخدم موريتانيا استراتيجية “الحياد المدروس” في قضية الصحراء لعزل البوليساريو

منذ توليه الحكم في غشت 2019، انتهج رئيس موريتانيا محمد ولد الشيخ الغزواني نهجاً استراتيجياً جديداً في التعامل مع ملف النزاع على الصحراء بين المغرب وجبهة البوليساريو المدعومة جزائرياً.
هذا النهج، الذي يمكن وصفه بـ”الحياد المدروس”، يعكس بحسب خبراء ومحللين موريتانيين فهماً عميقاً للمصالح الوطنية الموريتانية في ظل تعقيدات إقليمية متشابكة.

يدرك الغزواني، كسابقيه من قادة موريتانيا، أن البوليساريو تشكل تهديداً أمنياً حقيقياً على الحدود الشمالية الشرقية لبلاده. فالتاريخ المشترك بين موريتانيا والمغرب يشهد على مراحل من التعاون العميق والروابط الثقافية والاجتماعية التي تتجاوز الحدود الجغرافية، مقابل تاريخ مضطرب مع البوليساريو التي كانت مسؤولة عن العديد من الاضطرابات التي واجهتها موريتانيا في تاريخها المعاصر.

إن استراتيجية الحياد التي يتبناها الغزواني ليست حياداً سلبياً، بل هي موقف دبلوماسي ذكي يتيح لموريتانيا الحفاظ على علاقات مع الجزائر دون الانجرار إلى دعم البوليساريو.

هذه السياسة تأخذ بعين الاعتبار المتغيرات الدولية التي تشهد عزلة متزايدة للبوليساريو، مع تنامي الاعتراف الدولي بالسيادة المغربية على الصحراء، وهو ما يجعل الرهان على المغرب خياراً استراتيجياً أكثر استدامة لموريتانيا.

وفي هذا السياق، عمل الغزواني على تعزيز التقارب مع المغرب من خلال تنمية العلاقات الاقتصادية والتجارية. فافتتاح معابر حدودية جديدة مثل “الكركرات” و”آمغالا” الذي يربط بين السمارة وبير أم كرين، لم يكن مجرد إجراء لوجستي، بل كان قراراً استراتيجياً لتعميق الشراكة المغربية-الموريتانية وتقوية الروابط الاقتصادية بينهما.

كما أن استفادة موريتانيا من الخبرة المغربية في مجالات الطاقة المتجددة والزراعة والبنية التحتية تساهم في تعزيز التنمية الموريتانية وتقليل اعتمادها على شركاء آخرين.

هذا التعاون المتنامي يخلق شبكة من المصالح المشتركة تجعل من الصعب على أي طرف زعزعة العلاقات بين البلدين.

إن الوضع الدولي الراهن يشير إلى عزلة متزايدة للبوليساريو وتراجع في الدعم الذي تحظى به، حتى من حليفتها التقليدية الجزائر التي تواجه تحديات داخلية واقتصادية. وفي المقابل، تحقق الدبلوماسية المغربية نجاحات متتالية على الساحة الدولية، مع تزايد عدد الدول التي تعترف بسيادة المغرب على أقاليمه الصحراوية.

في ظل هذه المعطيات، تبدو استراتيجية الغزواني قائمة على قراءة واقعية للمشهد الإقليمي والدولي، إذ يدرك أن بناء علاقات قوية مع المغرب، مع الحفاظ على قنوات اتصال مع الجزائر، هو الخيار الأكثر خدمة للمصالح الموريتانية. كما أن التوازن الذي يسعى إليه يتيح لموريتانيا دوراً محورياً في أي جهود مستقبلية لتسوية النزاع.

وبهذا النهج، يعمل الغزواني على تحويل التحديات الجيوسياسية إلى فرص للتنمية والاستقرار، مستثمراً العمق التاريخي للعلاقات المغربية-الموريتانية وموظفاً المصالح الاقتصادية المشتركة لبناء مستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً لشعوب المنطقة، في وقت تتزايد فيه عزلة البوليساريو وتتراجع شرعيتها على المستوى الدولي.

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *