هل خرق ترامب الدستور لضرب المنشآت النووية الإيرانية دون تفويض من الكونغرس؟

في فجر إحدى أكثر اللحظات توتراً في السياسة الخارجية الأمريكية، أمر الرئيس دونالد ترامب في يناير 2020 بتوجيه ضربة جوية أسفرت عن مقتل القائد الإيراني قاسم سليماني قرب مطار بغداد، دون الرجوع إلى الكونغرس أو طلب تفويض منه. هذه الخطوة أثارت جدلاً دستورياً عميقاً في الولايات المتحدة، لأنها تمثل نموذجاً صارخاً لصراع التأويلات بين السلطتين التنفيذية والتشريعية حول صلاحية إعلان الحرب واتخاذ قرارات عسكرية.

 

ينص الدستور الأمريكي في مادته الأولى، القسم 8، بوضوح على أن “إعلان الحرب” من اختصاص الكونغرس وحده، في إطار وظيفة التشريع والرقابة. هذه الصيغة جاءت نتيجة تجربة الآباء المؤسسين مع الملكية المطلقة، حيث سعوا إلى تفادي ترك قرار الحرب بيد شخص واحد.

 

لكن بالمقابل، تمنح المادة الثانية، القسم 2، الرئيسَ صفة “القائد الأعلى للقوات المسلحة”، وهو تأويل استخدمه العديد من الرؤساء، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، لتبرير اتخاذ قرارات عسكرية منفردة باسم “الأمن القومي” أو “الضرورة الدفاعية العاجلة”.

 

في حالة ترامب، تم تقديم الضربة كـ”عمل دفاعي استباقي” لحماية الجنود الأمريكيين، دون تقديم مبررات قانونية كافية توضح كيف يتطابق ذلك مع الصلاحيات الدستورية الممنوحة للرئيس في غياب موافقة تشريعية.

 

بعد تورط الولايات المتحدة في حرب فيتنام دون إعلان رسمي للحرب، أقر الكونغرس قانون صلاحيات الحرب لعام 1973 بهدف كبح السلطة العسكرية للرئيس. وينص القانون على إلزام الرئيس بإبلاغ الكونغرس خلال 48 ساعة من تنفيذ أي عمل عسكري، مع ضرورة إنهاء العمليات خلال 60 يوماً ما لم يصدر تفويض من الكونغرس.

 

لكن فعلياً، بقي هذا القانون دون قوة ردعية كافية، إذ تجاهله عدد من الرؤساء السابقين، واعتبروه تقييداً غير دستوري لصلاحياتهم التنفيذية. في حالة ترامب، تم إبلاغ الكونغرس بعد تنفيذ الضربة، لكن ذلك لم يمنع تكرار السؤال: هل استخدام القوة في غياب تفويض هو انتهاك صريح للدستور، أم ممارسة مشروعة لصلاحيات القائد الأعلى؟

 

تبني ترامب لمنطق “الضربة الاستباقية” يحمل دلالة خطيرة. فباسم منع تهديد مفترض، يبرر الرئيس تجاوز المؤسسة التشريعية، ويخلق سوابق قانونية تسمح بتوسيع السلطة التنفيذية في المستقبل. هذا التوجه يهدد مبدأ الفصل بين السلطات، ويضعف رقابة الكونغرس على قرارات الحرب والسلم، ويقلّص الدور الديمقراطي في اتخاذ القرار السياسي الخارجي.

 

كما أن هذا المنطق لا يستند إلى معايير موضوعية، بل إلى تقدير شخصي قد يكون محاطاً باعتبارات سياسية أو انتخابية، مما يعرض أمن الدولة وسمعتها الدولية لمخاطر لا تحكمها قواعد قانونية واضحة.

 

في العقود الأخيرة، تراجع دور الكونغرس بشكل ملحوظ في مراقبة السياسة الخارجية والعسكرية، إما بسبب الانقسام الحزبي أو الحسابات السياسية. وبدل أن يكون سلطة رقابة وتشريع، بات الكونغرس في كثير من الأحيان يُقحم بعد حدوث الفعل العسكري، لا قبله. هذا التراجع سمح للرؤساء بتوسيع نفوذهم التنفيذي، وخلق ما يشبه “رئاسة عسكرية” تتصرف باسم الدفاع دون مساءلة حقيقية.

 

تجسد واقعة الضربة الأمريكية لإيران دون تفويض من الكونغرس لحظة دستورية حرجة تعيد إلى الواجهة سؤالاً محورياً: من يملك حق اتخاذ قرار الحرب في الولايات المتحدة؟

بين حرفية النصوص وتناقض تأويلاتها، وبين منطق القوة التنفيذية وتراجع السلطة التشريعية، تتآكل قواعد التوازن التي أرساها الدستور الأمريكي. وإذا لم يتم تجديد النقاش الوطني حول هذه المسألة الجوهرية، فقد تصبح قرارات الحرب والسلم بيد فرد واحد، في انزياح خطير عن جوهر الديمقراطية الأمريكية.

 

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *