علمت بلبريس من مصادر متطابقة مقربة من الكتابة العامة لوزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، أن المدير الجهوي السابق لمؤسسة العمران بجهة مراكش آسفي أصبح ممنوعاً من مغادرة التراب الوطني، بعدما تم سحب جواز سفره بأمر قضائي، في سياق التحقيقات التي تباشرها السلطات الأمنية بشأن خروقات خطيرة في مشروع “مراكش الحاضرة المتجددة”.
الإجراء لم يقتصر على المسؤول الأول السابق داخل مؤسسة العمران في الجهة، بل طال عدداً من أصحاب مكاتب الدراسات والمقاولات المتورطين في تنفيذ مشاريع مرتبطة بالبرنامج الملكي. من أبرز المشتبه فيهم مقاول ينحدر من آسفي، تشير المعطيات إلى أن ملفه مليء بالتجاوزات التي تسببت في تأخير إنجاز الأشغال وسوء تدبير موارد المشروع.
تحريك الملف جاء بناءً على تقارير مفتشية وزارة الاقتصاد والمالية، التي أنجزت افتحاصاً شاملاً كشف عن شبهات تلاعب وتضليل للرأي العام والمؤسسات الرسمية. التقرير المالي شكل مدخلاً رئيسياً لتدخل الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، التي باشرت تحقيقات مع أسماء بارزة في المؤسسة ومحيطها.
وكشفت ذات المصادر لـبلبريس أن أحد مفتشي المالية الذين شاركوا في افتحاص الملفات تعرض لمحاولة رشوة من أجل طمس بعض المعطيات، لكن التحقيقات استمرت وأفضت إلى فتح مسارات مساءلة قضائية، تزامنت مع تعيين حسني الغزاوي رئيساً مديراً عاماً جديداً لمؤسسة العمران، خلفاً لبدر الكانوني.
من بين أبرز مظاهر الفساد التي رصدها التحقيق، لجوء مسؤولي مؤسسة العمران في عهد الإدارة السابقة إلى تقديم تقارير مزيفة إلى الجهات الوصية، من بينها الوزيرة فاطمة الزهراء المنصوري، وزيرة التعمير والعمدة الحالية لمراكش، والوالي السابق كريم قسي لحلو. هذه التقارير كانت تزعم أن الأشغال في المناطق السياحية والروحية بالمدينة العتيقة بلغت 98%، وأن مشروع تثمين المدينة العتيقة وصل إلى 80% من الإنجاز، وهو ما كذّبته الوقائع على الأرض.
مصادر بلبريس أكدت أن مؤسسة العمران بمراكش اعتمدت خلال تلك المرحلة على خطاب ترويجي يقوم على شعارات “القرب والتواصل”، لكن التحقيقات الجارية كشفت أن ذلك لم يكن سوى غطاء لتبرير صفقات وامتيازات، استفادت منها شبكة منظمة داخل المؤسسة وخارجها، مما أسهم في تعطيل أهداف المشروع الملكي.
ورغم التركة الثقيلة، تشير المعطيات إلى أن حسني الغزاوي، الرئيس المدير العام الحالي لمجموعة العمران، يعمل على إعادة هيكلة المؤسسة وتطهيرها من “جيوب المقاومة”، التي ما تزال تحاول الالتفاف على منطق الشفافية واستغلال مواقعها للحفاظ على امتيازات الماضي.
التحقيقات ما تزال جارية، والمتورطون في انتظار مواجهة القضاء، في قضية تحولت إلى واحدة من أخطر ملفات الفساد التي طالت مشاريع ملكية استراتيجية في السنوات الأخيرة.