انضم بنك المغرب رسميًا إلى منصة الدفع والتسوية الإفريقية "PAPSS"، ليصبح بذلك الدولة السابعة عشرة التي تلتحق بهذا النظام المالي القاري، في خطوة تُوصف بالاستراتيجية وتنسجم مع توجه المملكة لتعزيز تكاملها الاقتصادي مع القارة الإفريقية، ويأتي هذا الانضمام في سياق متقدم من انخراط المغرب في آليات "منطقة التبادل الحر القارية الإفريقية" (ZLECAF)، التي تطمح إلى خلق سوق موحدة دون حواجز جمركية أو مالية، بما يعزز التجارة البينية ويقلص الاعتماد على العملات الأجنبية.
وتجدر الإشارة إلى أن منصة PAPSS، التي أطلقها بنك التصدير والاستيراد الإفريقي (Afreximbank) بشراكة مع الاتحاد الإفريقي، تمثل ثورة حقيقية في مجال التحويلات المالية بالقارة، إذ تتيح التسويات الفورية بالعملات المحلية، دون المرور عبر الدولار أو اليورو، ما من شأنه تقليص التكاليف الزمنية والمالية، ودعم السيادة النقدية للدول الأعضاء.
وحسب معطيات رسمية، فإن القارة تنفق ما يزيد عن 5 مليارات دولار سنويًا فقط في تحويلات مرتبطة باستخدام العملات الأجنبية، وهو ما تسعى هذه المنصة إلى تقليصه بشكل كبير.
وفي هذا الإطار، لا يُعد انضمام بنك المغرب إلى هذا النظام مجرد إجراء تقني، بل يُعتبر إعلانًا عن تحول استراتيجي في الرؤية المالية للمملكة، التي لطالما سعت إلى أن تلعب دور الجسر بين إفريقيا وأوروبا، فمن خلال PAPSS، يصبح بإمكان المقاولات المغربية، خصوصًا الصغرى والمتوسطة، أن تنفذ عملياتها المالية والتجارية مع نظرائها الأفارقة بسرعة وأمان، وبتكاليف منخفضة، ودون عوائق ترتبط بالتحويلات البنكية أو فروقات العملة.
علاوة على ذلك، يُعزّز انخراط المغرب في هذه المبادرة موقعه كمركز مالي إقليمي، ويمنحه أفضلية في الانخراط المستقبلي في مشاريع كبرى ضمن القارة، كما يساهم في خلق بيئة تشجع على الابتكار في القطاع المالي، لاسيما مع تسارع رقمنة الخدمات البنكية والحلول التكنولوجية الموجهة للمعاملات عبر الحدود.
ويدفع النظام الجديد في اتجاه مزيد من الاعتماد على الأنظمة المحلية، مما يُخفف من الضغوط الخارجية على احتياطات العملة الصعبة ويمنح البنوك المركزية مرونة أكبر في إدارة سياساتها النقدية.
وتأسيسًا على ما سبق، تفيد المؤشرات الأولية أن انضمام المغرب سيُشكل قيمة مضافة على مستوى التدفقات المالية نحو إفريقيا، وسيساهم في تسريع تنفيذ التزامات اتفاقية التبادل الحر القارية، التي تُراهن عليها القارة لتشكيل قطب اقتصادي عالمي بحلول 2030.
كما سيتيح هذا النظام للمغرب إمكانية تعزيز صادراته نحو أسواق جديدة، ورفع تنافسية مقاولاته، وتمتين علاقاته جنوب-جنوب خارج الإطار التقليدي للتعاون، الذي كان قائمًا في السابق على المساعدات والمنح أكثر من التبادلات المتكافئة.