الميزة المغربية والضغط الإسباني: التعريفات الأمريكية الجديدة تعيد رسم خريطة التجارة

يشهد المشهد التجاري بين الولايات المتحدة وأوروبا وشمال أفريقيا تحولاً مهماً  بعد التعريفات الأمريكية الجديدة، وابتداءً من الأسبوع المقبل، من المقرر أن تدخل حيز التنفيذ زيادة بنسبة 20% في الرسوم الجمركية المفروضة على المنتجات الإسبانية المصدرة إلى السوق الأمريكية.

وتأتي هذه الزيادة كتطبيق مباشر للقرارات التي اتخذتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض تعريفات جمركية جديدة على صادرات دول الاتحاد الأوروبي.

وفي المقابل، وفي خطوة تعكس الأبعاد الجيوسياسية والاقتصادية العميقة للقرار الأمريكي، ستستفيد المنتجات المغربية من معاملة تفضيلية واضحة، إذ ستخضع لرسوم جمركية تبلغ 10% فقط، أي نصف العبء الذي ستتحمله الصادرات الإسبانية المنافسة. ويمنح هذا التفاوت الصارخ المغرب ميزة تنافسية كبيرة تعزز قدرته على الولوج للسوق الأمريكية وتدعم اقتصاده الوطني.

وقد سلطت صحيفة “أوك دياريو” الإسبانية واسعة الانتشار الضوء على هذا التطور، مبرزةً أن المغرب، الذي يُعد حليفا استراتيجيا قديماً للولايات المتحدة ويتمتع بموقع جغرافي حساس عند مدخل البحر الأبيض المتوسط وقرب أوروبا الغربية، يجني ثمار هذه العلاقة الراسخة.

واعتبرت الصحيفة أن هذا الامتياز الجمركي يُعد دليلا على الأهمية التي توليها واشنطن لدور المغرب في القضايا الأمنية والدفاعية والاستخباراتية ذات الاهتمام المشترك.

ومع بدء تطبيق هذه التغييرات، تواجه إسبانيا تحديات متزايدة، حيث ستؤثر الرسوم الجديدة بشكل مباشر على قدرتها التنافسية في السوق الأمريكية. فالمنتجات التي تشكل العمود الفقري للصادرات الإسبانية إلى الولايات المتحدة ستجد نفسها في مواجهة منافسة شرسة من المنتجات المغربية، لا سيما تلك السلع التي يمكن للمغرب إنتاجها بتكاليف أقل أصلاً.

ويأتي هذا التطور ليعزز اتجاهاً لوحظ خلال السنوات الأخيرة، والمتمثل في تحول تدريجي للاستثمارات نحو المغرب، حيث اختارت العديد من الشركات نقل عملياتها الإنتاجية إلى المملكة لتلبية احتياجات الأسواق الأوروبية والأمريكية، وهو ما يتجلى بوضوح في الانتشار المتزايد لمنتجات مثل الفاصولياء الخضراء المغربية حتى داخل الأسواق الإسبانية نفسها.

ومن المتوقع أن تكتسب الشركات الإسبانية التي لديها بالفعل عمليات إنتاج في المغرب قدرة تنافسية إضافية، مستفيدة من الجمع بين انخفاض تكاليف الإنتاج المحلية والامتيازات الجمركية الجديدة في السوق الأمريكية، مما يجعل الإنتاج المماثل داخل إسبانيا أكثر تكلفة وصعوبة. وتتزايد المخاوف في الأوساط الاقتصادية الإسبانية من احتمال انتقال استثمارات ومصانع رئيسية من إسبانيا إلى المغرب للاستفادة من هذا الوضع الجديد.

وتشير “أوك دياريو” إلى أن تحقق هذه السيناريوهات المستقبلية يعتمد بشكل كبير على مدى استمرار الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وعلى تقييم المستثمرين للآفاق الاقتصادية. وقد يرى العديد منهم أن البيئة الاستثمارية المستقرة في المغرب، مقرونة بالامتيازات الاقتصادية الحالية، توفر فرصاً أفضل للتوسع وتعزيز التجارة الدولية مقارنة بالتحديات المتزايدة في إسبانيا وأوروبا.

وتُظهر بيانات “DataComex” لعام 2024 حجم المصالح الإسبانية المعرضة للخطر، حيث بلغت قيمة الصادرات الإسبانية إلى الولايات المتحدة حوالي 18.179 مليار يورو. وشملت أهم هذه الصادرات منتجات حيوية مثل زيت الزيتون والدهون النباتية (1.24 مليار يورو)، والمنتجات الصيدلانية (1.095 مليار يورو)، والزيوت العطرية والعطور ومستحضرات التجميل (824 مليون يورو)، بالإضافة إلى مجموعة واسعة من المنتجات الزراعية والغذائية الأخرى كالمشروبات والفواكه المعلبة ومنتجات الأسماك واللحوم والحبوب. وتتعاظم المخاوف الآن من خسارة حصص سوقية هامة في هذه القطاعات لصالح المنتجات المغربية.

ومع ذلك، تلفت الصحيفة الإسبانية إلى أن خطر انتقال مراكز الإنتاج إلى المغرب لا يهدد جميع القطاعات بنفس الدرجة. فبعض الصناعات قد تواجه قيوداً لوجستية أو تقنية تجعل عملية النقل معقدة ومكلفة للغاية. في المقابل، قد تجد صناعات أخرى، خاصة تلك التي تعتمد على العمالة الكثيفة أو ذات البنى التحتية الأقل تعقيداً، سهولة نسبية في الانتقال.

ويُعتبر القطاع الزراعي الإسباني هو الأكثر عرضة بشكل خاص للتأثر بهذه التحولات، نظراً لانخفاض تكاليف الإنتاج الزراعي بشكل ملحوظ في المغرب. أما الصناعات الثقيلة، مثل صناعة السيارات ومكوناتها، فقد تكون أقل تأثراً على المدى القصير، بينما قطاعات مثل الصناعة الصيدلانية قد تكون أكثر قابلية للنقل نظراً لطبيعة بنيتها التحتية الأقل تعقيداً مقارنة بالصناعات الثقيلة.

وفي المحصلة، تواجه الشركات الإسبانية تحدياً مباشرا وفوريا يتمثل في الارتفاع الحاد في القدرة التنافسية للمنتجات المغربية داخل السوق الأمريكية. فانخفاض الرسوم الجمركية المفروضة على المغرب يجعله خيارا أكثر جاذبية للمستوردين والمستهلكين الأمريكيين، مما يضعف موقف المنتجات الإسبانية، لا سيما في قطاع الصناعات الزراعية والغذائية الحيوي. وتبدو الشركات الإسبانية، في ظل هذه المعطيات، في موقف هش في مواجهة هذه الحرب التجارية وتداعياتها المتصاعدة.

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *