هل آن الأوان أمام النظام الجزائري أن يتخلى عن “الوهم”؟

في تحول لافت يعكس ضيق هامش المناورة السياسية أمام النظام الجزائري، ظهر الرئيس عبد المجيد تبون خلال لقاء إعلامي بموقف أكثر خفوتاً تجاه المغرب، متخلياً عن نبرته العدائية المعتادة بشأن ملف الصحراء المغربية.

تصريح تبون الأخير، الذي جُرّد من التصعيد اللفظي، لم يحمل سوى التكرار الباهت للموقف التقليدي الداعم لجبهة البوليساريو، دون أي إشارة إلى التحولات المتسارعة في المواقف الدولية، وعلى رأسها الدعم البريطاني العلني لمبادرة الحكم الذاتي المغربية، أو تصريح الرئيس الجنوب إفريقي السابق جاكوب زوما، الذي وصف المبادرة المغربية بـ”الحل الواقعي” لهذا النزاع الإقليمي المصطنع.

تجنّب تبون الخوض في هذه المستجدات يكشف، بوضوح، ارتباك المؤسسة الحاكمة في الجزائر أمام الزخم الدبلوماسي المتنامي الذي يراكمه المغرب دفاعاً عن وحدته الترابية.

المغرب، الذي اختار نهج الواقعية السياسية والانفتاح الاقتصادي والدبلوماسي، يقابل اليوم بارتياح دولي متزايد، في حين تجد الجزائر نفسها أكثر عزلة، بعد أن فشلت في تسويق روايتها الانفصالية في المحافل الدولية.

خطاب التهدئة الجزائري لا يمكن قراءته إلا في سياق الضغط المتعدد الاتجاهات الذي بات يخنق النظام في الجزائر؛ داخلياً، من خلال وضع اجتماعي مأزوم واقتصاد هشّ، وخارجياً من خلال تساقط أوراق الدعم الدولي لأطروحة الانفصال التي غذّتها لعقود بأموال الشعب الجزائري.

تجاهل تبون للموقف البريطاني الأخير ليس عبثاً، بل هو تأكيد على إحساس النظام الجزائري بخسارة متتالية في مواقع التأثير التي كان يعتمد عليها لتمرير أجندته المعادية لوحدة المغرب الترابية.

إن محاولة النظام الجزائري الإيحاء بالحياد أو التهدئة، لا يمكن أن تخدع المتتبعين، ما دام الحقد الممنهج ضد المغرب يمثل أحد أعمدة الشرعية الزائفة التي يحاول بها العسكر الجزائري تأبيد سلطته على حساب الديمقراطية والتنمية.

فالدفاع المستميت عن كيان وهمي لا يحمل إلا الخراب لسكان مخيمات تندوف، لم يكن يوماً موقفاً مبدئياً، بل ورقة ابتزاز جيوسياسي يُستخدم لعرقلة نهوض المغرب وإفشال مشروعه الإقليمي.

المغرب، من جانبه، يواصل ترسيخ واقعية سياسية مبنية على السيادة والوحدة الترابية، دون أن ينجر إلى استفزازات النظام الجزائري، مستثمراً الدعم الدولي المتنامي، ومراكماً الاعترافات بمغربية الصحراء، في تأكيد جديد على عدالة قضيته ونضج مقاربته.

ويرى محللون أنه آن الأوان للمجتمع الدولي أن يُحمّل الجزائر المسؤولية السياسية والأخلاقية عن هذا النزاع المفتعل، ويطالبها بالتخلي عن لعب دور “الوسيط المزعوم”، وهي التي تحتضن وتسلّح وتدرب وتوجّه جبهة البوليساريو، وتستخدمها مطية لتصفية حسابات إقليمية بائدة.

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *