أسبوع واحد فقط على افتتاح الدورة الربيعية للسنة التشريعية الرابعة من الولاية الحالية، وهي الدورة التي من المتوقع أن تشهد مناقشة ومصادقة العديد من المشاريع القانونية الهامة التي طال انتظارها أبرزها مشروع مدونة الأسرة، لكن رغم محورية هذه المشاريع، فإن الجدل لا يزال قائمًا حول بعض منها، سواء بين الفاعلين الحكوميين والفئات المهنية المعنية، أو بين مختلف الأطياف السياسية والمجتمعية التي تتباين وجهات نظرها بشأنها.
مدونة الأسرة ملف حارق بين الدين والحقوق
أحد أبرز المشاريع المنتظر عرضها هو التعديلات المقترحة على مدونة الأسرة، التي أعلنت الحكومة عن تشكيل لجنة لصياغتها في منتصف يناير الماضي. من المتوقع أن تصل المدونة “المعدلة” إلى مجلس النواب خلال الدورة الربيعية لاستكمال مسطرة المصادقة عليها.
وتتوقع مصادر برلمانية لـ”بلبريس”، أن لا يشهد هذا النص القانوني تجاذبًا كبيرًا بين النواب، خاصة بعد لجوء الملك إلى تحكيم المجلس العلمي الأعلى في هذا الشأن، إلا أنه من دون شك ستكون التجادلات حول نصوص يمكن النقاش والانفتاح عنها، لاسيما بين الأصالة والمعاصرة من جهة والإسلاميين من جهة أخرى، وأيضا بين اليساريين في مجلس النواب، وهو ما سيكون امتدادا بين تغليب النص الديني من جهة، وحقوق الإنسان بكونيتها وشموليتها من جهة أخرى.
وفي هذا السياق، ترى البرلمانية حزب فيديرالية اليسار الديمقراطي، فاطمة التامني، أن ضرورة تحقيق المساواة ليس مجرد مطلب قانوني، بل هو معركة ثقافية ومجتمعية تتطلب تغيير الذهنيات ونشر الوعي بين المواطنين والمواطنات، داعية إلى ضرورة تبني إصلاحات جذرية في مدونة الأسرة، لتحقيق الإنصاف والعدالة الاجتماعية، حيث طالبت بمنح الأم الولاية على أبنائها، ومنع تزويج القاصرات، ومراجعة نظام الطلاق لحماية النساء، ومنع التعدد بشكل صريح.
وأشارت التامني إلى أن القوانين وحدها لا تكفي، بل يجب أن تكون هناك إرادة جماعية لجعل قضايا المرأة أولوية، وبناء تحالفات للدفاع عن حقوقها وتحقيق الكرامة والعدالة الاجتماعية.
المسطرة الجنائية : حماة المال العام ينتفضون بمعية المحاميين
في الوقت ذاته، من المتوقع أن يستمر الجدل داخل مجلس النواب بشأن مشروع القانون رقم 03.23 المتعلق بتغيير وتتميم القانون المتعلق بالمسطرة الجنائية، والذي لا يزال قيد الدراسة بلجنة العدل والتشريع، وسط خلافات بين وزارة العدل والمحامين حول بعض مواده.
من جهة أخرى، لا يزال “حماة المال العام” يعارضون بشدة المادة 3 من مشروع القانون الجنائي، مطالبين بإسقاطها لأنها “تقيّد حقهم في إحالة الشكايات أو طلب إجراء البحث أو إقامة الدعوى العمومية في الجرائم المتعلقة بالمال العام”.
النقيب الجامعي يعدد اختلالات المسطرة الجنائية
قال النقيب عبد الرحيم الجامعي إن مشروع المسطرة الجنائية قد يواجه نفس مصير مشاريع قوانين سابقة تم سحبها في عهد كل من مصطفى الرميد ومحمد بنعبد القادر ومحمد أوجار. جاء ذلك خلال ندوة نظمها حزب “الرسالة”، حيث أكد أن المشروع الجديد لن يحقق التوازن المطلوب في العدالة الجنائية، بل سيكرس هيمنة الضابطة القضائية والنيابة العامة وقاضي التحقيق.
وأوضح الجامعي أن هذه المؤسسات الثلاث أصبحت القوة الفعلية في المشروع، ما يعكس توجهًا أمنيًا واضحًا على حساب الحقوق والحريات. وأضاف أن المشروع، بصيغته الحالية، يغلق آفاق التحول الحقيقي في العدالة الجنائية بالمغرب، ويثير تساؤلات حول الديمقراطية ومدى ملاءمة التشريعات الوطنية مع المعايير الدولية، بالإضافة إلى استقلال السلطة القضائية وحقوق الدفاع وقرينة البراءة وحرية الإثبات.
وقال الجامعي “المشروع الحالي يتضمن نصين تنظيميين، الأول يتعلق بالتسجيل السمعي البصري خلال فترة الحراسة النظرية، وذلك عند تلاوة المحاضر وأثناء التوقيع عليها”، مشيرًا إلى أن “هذه التقنية لن تدخل حيز التنفيذ إلا بعد خمس سنوات، أي في سنة 2030”.
وأوضح أيضًا أن “النص الثاني يتعلق بإذن وزير العدل للجمعيات بتنصيب نفسها طرفًا مدنيًا في قضايا معينة”، مؤكدا أنه “رغم أن ديباجة المشروع تتضمن مبادئ كبرى، فإنها تظل غير كافية مقارنة بضخامة المشروع”.
وأشار إلى أن وضع السجون في المغرب خطير ويستدعي إصلاحًا عاجلًا، لافتًا إلى أن تدبير السياسة العقابية والدعوى العمومية من قبل النيابة العامة يطرح العديد من الإشكالات. وأكد أن مشروع المسطرة الجنائية يحتاج إلى توجهات واضحة تضمن تحقيق العدالة، وليس فقط ديباجة شكلية.
ودعا الجامعي إلى إدخال تعديلات جوهرية على المشروع، من بينها اعتماد الاعتراف بالذنب كوسيلة لتقليص الاعتقال الاحتياطي في بعض الجرائم، وإعادة النظر في السلطة التقديرية للقضاة والنيابة العامة والضابطة القضائية لضمان عدم المساس بالحقوق والحريات، وتوسيع نطاق الحق في الصمت ليشمل جميع مراحل المحاكمة وليس فقط أثناء الحراسة النظرية، إلى جانب تكريس مجانية التقاضي وفق ما ينص عليه الدستور.
وأكد في ختام مداخلته على ضرورة مراجعة المشروع لتحقيق توازن بين الاعتبارات الأمنية والحقوقية، وضمان عدالة جنائية تحترم حقوق المواطنين وتتماشى مع المبادئ الدستورية.
القانون الجنائي اقترب من النزول
كما يُتوقع أن يصل مشروع القانون الجنائي إلى مجلس النواب في نفس الدورة، خاصة بعد أن اتجهت الحكومة لإدخال تعديلات جذرية، أبرزها تلك المتعلقة بالعقوبات الحبسية والتعامل مع عقوبة الإعدام. وفيما يتعلق بمشاريع أخرى، فمن المتوقع أن تواصل لجنة العدل والتشريع بمجلس المستشارين مناقشة مشروع قانون المسطرة المدنية، الذي تم المصادقة عليه في مجلس النواب بعد العديد من التعديلات والخلافات بين وزارة العدل وهيئات المحامين، وكذلك مشروع قانون حماية التراث ومشروع التأمين الإجباري الأساسي عن المرض.