لم تكن شخصيات عادية في التاريخ ، ولا مسارها كان عاديا في ذاكرة المغاربة ، بل حاولت أن تصنع “بروفيلاتها”، على الرغم من العراقيل والصعوبات التي كادت أن تعصف بها.
ضمن سلسلة برامج رمضان، ارتأت جريدة” بلبريس” ، أن تقدم “ربورتريهات” عن شخصيات عاش معها المغاربة تفاصيل كثيرة جعلتهم يتذكرونها بين كل حدث و حديث.
في حلقة اليوم …. ستتعرفون على إمرأة متمردة، شقية، دافعت كثيرا على شرف مهنتها الذي ظل دائما ينعث بالعار الثقيل، والذي تهان به صاحبته، إنها أيقونة العيطة و سيدتها.
على أنغام العيطة دندن جيل من المغاربة أغنيتها الشهيرة ” وانا مقابلة البحر ليرحل”، فنانة مغربية تألقت بـ”بالبندير” وبالقفطان المخزني المغربي، وأمام الميكروفون وعلى إيقاع موسيقى العيطة بأشهر المسارح العالمية.
سيدة الطرب الشعبي، ولدت عام 1930، بأحد أعرق الأحياء الشعبية بمدينة الدار البيضاء، وسط مجتمع مغربي محافظ، غير أن هذا لم يمنعها من أن تبصم اسما صار فيما بعد واحدا من أقدم الأسماء في مجال فن العيطة .
الحاجة الحمداوية، عاصرت ثلاثة ملوك مغاربة، وتركت خلفها مسيرة فنية امتدت لعقود، انطلقت في خمسينات القرن الماضي بتسخير فن العيطة في المقاومة ضد الاستعمار.
كانت الحمداوية فنانة مبدعة متميزة، عاشقة لمهنتها، شيخة حقيقية بكل ما تحمله التسمية من شموخ لا ترقى له حقارة الابتذال ولا رخص الانتماء للفن مهنة.
دافعت كثيرا عن شرف مهنتها، وتمنت أن تموت على المسرح، وعاشت المجد الذهبي للأغنية المغربية في عقود الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن العشرين.
غير أن هذا المجد لم يعرف استقرارا طويلا، بل كان لها نصيب من خذلان الحياة الذي يعصف مرة ويزهر مرات مثلها مثل من سلك طريقا يبدو للكثيرين عفنا لكن بدا للحمداوية عشقا وحرية لا تنتهي بنهاية السهرة.
فحياتها لم تخلو من العثرات، ولا من الظروف الصحية والمادية المؤلمة التي جعلتها في كثير من الأحيان تعرف أسوأ الأيام وأحلكها، عاجزة عن تلبية أبسط حاجياتها اليومية مثل الدواء والسكن وغيرهما.
غير أن الحياة كرمتها من جديد بعد أن التفتت إليها جهات عليا نافذة في الدولة، وأولتها العناية اللازمة .
الحاجة الحمداوية، لم تقل يوما إنها تريد أن “تتوب”… لأنها، على الأغلب، لا تعتبر فنها وسخا أو دنسا تريد أن تتطهر منه، بل صنعت “ستايل”، ظل حاضرا بقوة و متميزا في أرشيف الطرب الشعبي الكلاسيكي.
وغنت الراحلة إلى جانب فنانين كبار كحميد بوشناق، و في غشت 2008 التقت ميريام فارس مع الحاجة الحمداوية في تطوان وتقدمت لها بطلب إعادة إحدى أغانيها في ألبومها القادم وهو ما وافقت عليه الحمداوية.
التمرد والحرية، هما رمزان عظيمان ما إن قرأتهم أو سمعت عنهم إلا ورحلت بك ذاكرة إلى أعرق فن في تاريخ المغاربة حيث كانت به تهجو “شيخات” رجال السياسة وبه كان يحارب المغاربة المستعمر شعرا وقافية.
الفنانة الراحلة الحمدوية، ظلت إمرأة بمواقف حادة وصارمة، وأم حنونة وعطوفة على ابنها الوحيد، صارعت من أجله كثيرا، رحلت عن الحياة عام 2021، تاركة مورثا كبيرا من الفن العيطة، من لغة صنعت في أبجديتها جسدا يميل كلما غابت عنه شمس الحياة.